news & views

Tuesday, July 19, 2005

نقد مع جريدة البيان


لقاءات "البيان" مع السياسيين السودانيين.. عمر العم


السودان على عتبة المرحلة الانتقالية (6)
محمد إبراهيم نقد زعيم اليسار السوداني: خياران أمام الشريكين حرق المراحل أو تمديد الفترة الانتقالية مواكبة للمرحلة الانتقالية السودانية التي تأتي في إطار اتفاق سلام وضع نهاية لحرب دامت أكثر من عقدين تجري «البيان» سلسلة من الحوارات مع نخب من القيادات السياسية والفكرية في الخرطوم بغية استيضاح خارطة الطريق التي تعين القوى السياسية على عبور تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ السودان الشقيق التي تنتهي بأحد خيارين: الوحدة أو الانفصال. وتسعى «البيان» عبر هذه السلسلة لاستكشاف «الميكانيزم» الذي تفكر به القيادات السياسية في هذا البلد والتحديات المحتملة والألغام التي قد تنفجر أمامها إبان عبور المرحلة الانتقالية، وما إذا كانت تلك القوى قد أعدت من الرؤى والعدة ما يعينها على تجاوز تلك التحديات وتفكيك تلك الألغام. وتحرص «البيان» على استجلاء آراء مختلف قوى الطبق السياسي السوداني والشخصيات المؤثرة في قماشة الرأي العام. وهذا حوار فوق العادة ليس لأنه مع رجل استثنائي يمثل الرؤية الأكثر نفاذاً والأكثر عمقاً في أوساط اليسار السوداني فقط أو انه مع سياسي مخضرم ومحترف لأنه فوق ذلك قضى نصف سني عمره في السجون أو العمل السياسي السري مكرساً طاقاته وقدراته ضد الاستبداد والشمولية. ويحظى محمد إبراهيم نقد باحترام وافر من قبل خصومه ليس بفضل رجاحة فكره فقط وإنما لتواضعه الذي ينم عن أصالة وصفاء نادرين. وينظر الجميع في الساحة السياسية السودانية إلى الرجل حالياً باعتباره المحور الذي يمكن أن يعيد قوى اليسار للتجمع حوله وهي قوى لعبت دوراً بالغ الحيوية في الحركة السياسية والثقافية والاجتماعية في السودان. نبّه محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني إلى أن المرحلة الانتقالية بسنواتها الست لا تكفي لتحقيق انسجام بين الشريكين الحاكمين ومن ثم نهوضهما بأعباء المرحلة وقال أمامهما أحد خيارين، إما حرق المراحل ودمج مهام في بعضها أو تمديد الفترة الانتقالية. وأشار إلى أنهما قررا بالفعل الخيار الثاني. وأضاف نقد في حوار مع «البيان» ان العلاقة بين حزب المؤتمر الذي يقوده الفريق عمر البشير والحركة الشعبية بزعامة جونق قرنق تتسم بطابع مزدوج يجمع بين الصفقة السياسية وخارطة الطريق وتتضمن حلولاً وسطاً ستصطدم بمتاريس سياسية عند التطبيق. وانتقد اتفاق السلام ووصفه بأنه أقرب إلى برنامج الامتحانات الأكاديمية يطغى عليه الجانب التكنوقراطي. وأضاف ان القوى السياسية دخلت بعد رفع حالة الطوارئ إلى الجهاد الأكبر بعد انتهاء الجهاد الأصغر. وطالب حركة قرنق بالاستعداد الذهني والسياسي للإجابة عن أسئلة المواطنين في الشمال والجنوب وبما يوازي زخم استقباله في الخرطوم وطالب الدكتور حسن الترابي بتخطي الإقرار بخطاياه السياسية إلى تحمل مسؤولية تلك الخطايا. ووصف الحالة العربية بأنها بائسة ومحبطة، وقال إن افريقيا تنتظر غودو وهذا نص الحوار. * أعتقد أن الرهان بات الآن على قرنق أكثر من غيره. إذ كان اعتقادي صائباً فما الذي نتوقعه منه؟ ـ بأداء الدكتور جون قرنق القسم، على حركته الشعبية أن تستعد ذهنياً ونفسياً وسياسياً للرد على أسئلة المواطنين في الشمال والجنوب معاً حول سياسات السلطة وقراراتها وأن تكون الأجوبة موازية لزخم الاستقبال الذي شهدته الخرطوم عند وصول قرنق إليها. * هل تعتقد أن قيادة الحركة مهيأة للإجابة عن مثل هذه الأسئلة؟ أرجو ألا تضيق صدور ممثلي الحركة، ليس فقط إزاء أسئلة المواطنين، بل كذلك إزاء انتقاداتهم. إذ أن تلك الأسئلة وهذه الانتقادات تعبّر بالضرورة عمّا كانت تتطلع إليه الحركة السياسية. * ما الفرق بين الأسئلة التي يطرحها الشماليون وأسئلة الجنوبيين؟ ـ لا توجد مشكلة كبيرة في الجنوب بحيث تشكل مفاجأة. فالمشهد كله برمته داخل دائرة النظر، غير أن الموقف في الجنوب مغاير، إذ سيبدأ ذلك الجزء من الوطن يطرح ما يختزن من تطلعات ومطالب. كما انه سيطرح أسئلة ترتبط بما يختزن من ثقة في الحركة الشعبية التي يقودها قرنق ولا بد أن يأخذ بعضاً من هذه الأسئلة صيغة المعارضة للحركة، أعني بذلك مواقف وممارسات بعض الأحزاب والميليشيات المتحالفة مع الحكومة والشخصيات الجنوبية التي تتخذ مواقف غير منسجمة مع توجهات قرنق وحركتها. * ما الاختيار الأول الذي ربما تجد الحركة تواجه فيه ضرباً مبكراً من تلك الأسئلة؟ ـ هناك انتظار يشبه نتائج الامتحانات بالنسبة للصفوة الجنوبية التي يقلقها حالياً سؤال ملح يرتبط بمواقع السلطة المركزية منها والإقليمية التي سيضع قرنق كلا منهم فيها. * ثم ما الأسئلة المركزية التي تعتقد أنها ستفاجئ قرنق أو ستطرح نفسها على نحو يتطلب إجابات فورية؟ ـ ما زلت قلقاً على مفاوضات دارفور والبجا رغم الضغوط الدولية وتدخل برونك المباشر وسيطاً باسم الأمم المتحدة في مسألة الشرق. كما يقلقني أن التجمع ليس له وسيط أو مفاوض في اتفاقه مع الحكومة (اتفاق القاهرة) كما هو الحال مع الحركة في اتفاقها مع النظام (نيفاشا). ربما يساهم وجود الحركة في السلطة على تذليل الصعاب من أجل وصول حل فيما يتعلق بمشكلة دارفور والشرق. اعتقد ان الطرفين في الغرب والشرق يتوقعان ان تقدم حركة قرنق لهما قدراً من المساندة باعتبارها حليفاً. غير أني لا أستطيع ان أقدم إجابة شافية في هذا السياق، فالإجابة الكاملة عند قادة الحركة في السلطة. * كنت تنبأت في حوار لي مبكراً معك قبل خروجك الى العلن بأهمية بناء منبر تفاوضي على غرار ماشاكوس وكانت في بداياتها، ماذا ترى الآن في الأفق البعيد في المشهد السياسي السوداني؟ ـ خذها مني كلمة ـ سيحصل الغور والبجا على حق التمثيل في مجلس السيادة أو مجلس رأس الدولة حتى ولو أصبح له رئيس دائم. وربما يلحق بهما النوبة والانقسنا. * قرار رفع حالة الطواريء لم يشكل حدثاً فاصلاً بين مشهدين على المسرح السياسي، فلماذا كل هذا البرود؟ ـ بالفعل لم يحدث رفع الطواريء احساساً مفترضاً بالنشوة وعبر القرار كالظل على نحو عادي وهو بالفعل كان كذلك ذلك ان النشاط السياسي خاصة في المجال الطلابي كان قد تخطى حاجز الطواريء مسبقاً فلم يبق من مظاهرها سوى نقاط التفتيش التي يتم نصبها عند الثانية عشرة منتصف كل ليلة. ومع ذلك يمكن القول انه بعد رفع حالة الطوارئ ثم رفع الستار عن مشهد جديد لمعركة كبرى ضد القوانين المكبلة للحريات فهذه بداية الجهاد الأكبر بعد انتهاء الجهاد الأصغر. * ما القضايا التي تعتبرها عقبات كأداء أمام الحركة السياسية إبان المرحلة الانتقالية؟ ـ المرحلة الانتقالية بسنواتها الست ليست كافية لانجاز مهام المرحلة بل هي غير كافية للشريكين من أجل معرفة بعضهما البعض معرفة حقيقية تفضي بهما الى التجانس الذي يعينهما على التصدي لتلك المهام. ما تم انجازه من قبل الشريكين في يونيو كان ينبغي الفراغ منه في الربع الأول من هذا العام ولاتزال هناك قضايا معلقة متبقية من النصف الأول الذي انقضى منه. وأمام الشريكين أحد خيارين، إما حرق المراحل بدمج بعض العمليات والمهام وهذا سيكون هدفه تحقيق مصالح للسلطة فقط وتغليب مصالحها على الاطراف الاخرى أو تمديد المرحلة الانتقالية لأكثر من السنوات الست. واعتقد ان الشريكين اختارا بالفعل التمديد ذلك أنهما قررا إجراء الانتخابات في السنة الرابعة. * ألا يشكل هذا علة في الاتفاق أكثر من كونه قصوراً في رؤى وقدرات الشريكين؟ ـ هذه احدى مآخذنا على الاتفاق اذ تم وضعه في صيغة أشبه ما تكون ببرنامج الامتحانات الاكاديمية وطغى عليه الجانب التكنوقراطي في بلد تتميز الحركة السياسية فيه بأنها عاصفة. * إلى أي مدى يشكل انتقال حركة قرنق الى موقع السلطة تحدياً لها؟ ـ هذا الانتقال يكشف جانباً عميقاً لم يكن جلياً في طبيعة الحركة. فمثل كل القوى السياسية ستخضع الحركة لتغيير نوعي عندما تنتقل من المعارضة الى مواقع السلطة بغض النظر عما إذا كانت ستحكم منفردة أو متحالفة. وإذا كانت هذه التجربة صعبة لكل القوى السياسية فإنها جديدة بالطبع على حركة قرنق بصفة خاصة. فالحركة ستواجه تجربة اختيار قاسية في شأن كيفية تنفيذ شعاراتها وأهدافها وكيفية تعاملها في الوقت نفسه مع المعارضة ـ حلفائها سابقاً ـ أو مع الرأي الآخر في شكل مطلق. * ما الجانب الذي ترى ان الأضواء لم تسلط عليه على نحو كاف في الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية؟ ـ العلاقة بين المؤتمر والحركة علاقة شراكة تتسم بطابع مزدوج يجمع ولا يمزج بين الصفقة السياسية وخارطة الطريق وهذا الخلط نجم عن الحلول الوسط المقنعة للطرفين أو تلك التي فرضها عليهما شركاء الايغاد وهي حلول ستصطدم عند التطبيق على الأرض بمتاريس سياسية وعقبات. حاولت الاتفاقية مغالبة مثل هذه العقبات بما تسميه أحياناً ب«لجنة واسعة التمثيل» لكنك تفاجأ بأن لجنة ثنائية من طراز «7 + 7» هي التي وضعت مسودة الدستور وقدمتها الى «لجنة الدستور» وهي كذلك ليست «لجنة ذات قاعدة عريضة». مثال آخر يتجسد في ان النسبة المخصصة للقوى السياسية الأخرى لا تمنحها القدرة على أداء الدور الفاعل الذي يوازي ثقلها. * وما الذي ترى، ان الذين قرأوا اتفاق السلام لم يمنحوه ما يستأهل من التأمل؟ ـ الاتفاقية تتسم في مجملها بمدخل النفي بالنسبة للطرف الجنوبي أي كان ذهنه عند كل بند من بنودها مهموماً بألا يحدث فيها ما حدث في اتفاقية اديس أبابا في العام 1972، بينما كان ذهن الطرف الشمالي منصباً على ألا يفقد المؤتمر الحاكم قبضته على السلطة. * بالإضافة الى عقبات التطبيق ما هي الالغام المفخخة على طريق الشراكة إبان المرحلة الانتقالية؟ ـ مثل كل الحكومات تواجه الشراكة الثنائية عقبات عدة غير ان العقبة الكبرى التي تواجهها هذه الحكومة تتمثل في طموحات الشعب السوداني في الشمال والجنوب بعد الانهيار الكامل الذي تعرضت له حياته المعيشية والاجتماعية واستحواذ أقلية ضئيلة على مجمل الثروة. * ما المشكلة الملحة التي تواجه المؤتمر الوطني بصفة خاصة دون شريكه؟ ـ المؤتمر الحاكم سيواجه فوراً مشكلة المبعدين من مواقع السلطة من صفوف أعضائه و«الأحزاب المتوالية»، فالتعويضات المجزية التي سيقدمها المؤتمر لهؤلاء المبعدين لن تبطل مفعول «فايروس» السلطة الذي تمكن منهم وسيتطلعون الى مواقع بديلة. وقد يتحولون الى «خميرة عكننة» كما هو حال الصفوة الجنوبية الباحثة عن مواقع في السلطة الجديدة. بالمناسبة كنت قد اقترحت على الترابي أيام تواجدنا معاً في المعتقل ان ينشيء «وزارة دوارة» يبقى فيها من يشغلها ستة أشهر حتى ينال لقب «وزير سابق» الذي يتهافت عليه البعض رغم ان الوزارة فقدت ذلك البريق الذي كان. * وما الذي يشغل بال المعارضة في هذه المرحلة؟ ـ داخل كل مواطن سوداني توجد معارضة ومن ثم هناك معارضة داخل كل حزب، ومع ذلك يمكن القول ان ما يميز المعارضة في هذه المرحلة أنها تجمع دون استثناء على تأييد اتفاق السلام وحق تقرير المصير بالنسبة للجنوبيين، كما أنها تجمع على الترحيب بإنهاء الحرب. وليس هناك طرف معارض يسعى الى الغاء اتفاق السلام، والحديث في هذا الشأن هو مجرد اتهام منطلقه مزايدة سياسية ليس غير. لكن المعارضة كلها مستفزة ووراء ذلك الاستفزاز نسبة الـ 15% التي خصصت لها في مقاعد السلطة وتنازل أي من الحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني أو الاثنين معاً عن أي نسبة من حصتهما لا يحل القضية فهذا التنازل أشبه ما يكون بالزكاة. كما أن موقف الشريكين السلبي من مطلب عقد «مؤتمر شامل» أو «مؤتمر دستوري» أثار استفزاز القوى المعارضة، والمؤتمر الدستوري لن يلغي اتفاق السلام، لكنه يتيح للقوى الأخرى ان تقول ملاحظاتها عليه، وهذا حق مشروع وأنا واثق من موافقة دول الايغاد على عقد مثل هذا المؤتمر. * ما مدى ثقتك في نجاح حركة قرنق في إعادة بناء الجنوب؟ ـ أعتقد أن الحركة ستنجح في بناء وتكوين مؤسسات السلطة والحصول على مقاعد الجنوبيين في مؤسسات الشمال، غير ان أصعب الامتحانات التي ستواجهها ذلك الذي يتعلق بإعادة تعمير وبناء ما خربته الحرب خاصة في الجانب الذي يرتبط منه بمساهمات المانحين والمجتمع الدولي. ومع ان وحدة الجبهة الجنوبية تعتبر مشكلة معقدة إلا انني اعتقد ان الحركة قادرة على تخطي هذه العقبة إلا اذا كانت هناك معارضة تود ان تحل محل الحركة في السلطة. * أعتقد أن هناك خياراً جاهزاً في هذا الصدد أليس كذلك؟ ـ لعلك تعني فاولينو ماتيب. * أليس هو جزء من معادلة اللعبة المرتقبة؟ ـ الميلشيات الجنوبية حليفة للحكومة الحالية والدكتور قرنق يدرك ذلك كما أن المجتمع الدولي يعرف ذلك، والحكومة تعترف علنا به. أضف إلى ذلك أن شركات البترول تدفع للميليشيات مقابل الحصول على الأمن. * هل تعتقد أن الحركة قادرة على إيجاد حل لهذه المعادلة المشابكة؟ ـ أنا متفائل إزاء قدرات الحركة السياسية. * ألا ترى أن هناك تضخيماً لقدرات قرنق ربما من باب الأمنيات؟ ـ لا أظن ذلك بل أعتقد أن قرنق يقرأ الظرف الموضوعي جيداً. * هل تثق أنت في تحالف مع الصادق المهدي وحسن الترابي لتشكيل جبهة معارضة؟ ـ الصادق والترابي لن يفاوضا حكومة الإنقاذ. هكذا أعلن كل منهما موقفه ولكنهما يسعيان من أجل حكومة ذات قاعدة عريضة. * البعض من حلفائك يتهم المهدي بعدم الثبات على المواقف. ـ المهدي جاد في إعلانه المؤيد لاتفاق إنهاء الحرب ولكن لديه تحفظات يمكن الوصول إلى اتفاق حولها حتى من جانب الحكومة إذا أدركت الحكومة أن المهدي حاكم سابق انتزع الانقلاب السلطة منه. ويمكن أن يحرز أصواتاً في أي انتخابات نزيهة أكثر من حصاد الحركة الإسلامية بجناحيها. * هل أنت تعني ما تقول حقيقة؟ ـ إذا توفرت للمهدي الموارد المالية على غرار ما لدى المؤتمر الحاكم فيمكن للمهدي منافسة المؤتمر غير أن هذه الوفرة على ذلك النحو مهمة مستحيلة. * ماذا عن الترابي؟ ـ الترابي مطالب بتخطي عقبة الإقرار بمسؤولية ما حدث التي أخذ يرددها عقب مفاصلة رمضان مع المؤتمر الوطني وإلا سيواجه عقبات وهذه مسألة في غاية الأهمية فهو لا يزال عند تبعات انقلاب 1989 يوم قال للبشير اذهب إلى القصر رئيساً واختار أن يذهب هو إلى كوبر سجيناً. * ما الذي تعني بتخطي عقبة الإقرار؟ ـ هناك استحقاقات واجب الوفاء بها مقابل ذلك الإقرار وعلى الترابي أن يفي بتلك الاستحقاقات ولا يجوز طي أخطاء تلك المرحلة مقابل «عفا الله عما سلف». هناك تجارب مماثلة حدثت في جنوب افريقيا، تشيلي والمغرب مثلاً ولابد من ايجاد صيغة سودانية يتم بموجبها وصول نوع من العدالة مقابل تلك الخطايا التي تمت في حق الشعب والوطن. * عوداً إلى المهدي؛ ألا ترى أن الانشقاق داخل حزبه يمكن أن يؤثر على موقفه الانتخابي مستقبلاً؟ ـ حدثت انشقاقات مماثلة سواء داخل البيت أو كيان الأنصار أو على صعيد الحزب لكنها لم تصمد طويلاً. واتسعت الهوة بين الصادق وعمه مثلاً فترة من الزمن. * هناك تحالف تاريخي بين الأمة والاتحاديين أو الأنصار والخيمة الذي أرساه عبدالرحمن المهدي وعلي الميرغني لكنه يشهد انفصاماً. ـ الاتحاديون لديهم شيء من عدم الانضباط ولديهم ما يضمرونه سواء تجاه الأنصار أو إزاء الصادق شخصياً لأسباب متباينة. * أنت تطالب الترابي بتجاوز الإقرار بمسؤولية الخطايا إلى تحمل تلك المسؤولية بينما يطالبكم آخرون بتحمل مسؤوليات أخطاء اقترفتموها في مرحلة مبكرة من نظام النميري. ـ أصدرت قيادة حزبنا في أغسطس 1977 بياناً بعنوان «جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن» كان أحد شروطها «الكشف عن جرائم التعذيب والقتل العشوائي ومحاكمة الذين ارتكبوها والذين أمروا بها وفقاً للأدلة المادية التي يدلي بها كل مواطن تعرض للتعذيب» هذا هو موقفنا منذ ذلك التاريخ. وبدون مثل هذه الإجراءات سنعود إلى المربع الأول. نقول للذين يطالبون بمقولة «عفا الله عن ما سلف» إن العفو ممكن ولكنه وفق هذه الرؤية فقط. * ما الذي تودون عمله عل الحزب يستعيد موقعه على خارطة الحراك السياسي؟ ـ ها هو الحزب بدأ يقدم نفسه مجدداً للجماهير بعد غياب استمر 16 سنة عبر سلسلة من الندوات بدأت في الخرطوم وستنداح عبر المدن الكبرى، كما نعمل على ترميم الحياة الداخلية بعد نفض غبار العمل السري. وتعقد مجموعات عمل للكادر على كل المستويات لإنعاش القدرات وتبادل وجهات النظر وتجاوز السلبيات. * وماذا عن المؤتمر العام للحزب؟ ـ ذلك هو الواجب المحوري للحزب حالياً،إذ ينهمك في الإعداد للمؤتمر. * ما الصعوبات التي تعرقل عقده؟ ـ لا تواجهنا صعوبات سياسية أو فكرية وإنما فقط نحاول تخطي ظروف الحياة المعيشية والاجتماعية. * قلت في الندوة الجماهيرية الأولى عقب عودتك للعلن أنكم متمسكون بالماركسية، فهل هي لا تزال منهج الحزب أم انها إحدى الرؤى التي يستعان بها؟ ـ في كل المناقشات الجارية داخل الحزب لا يوجد اتجاه للتخلي عن الماركسية، بل هناك تركيز على التعامل مع المنهج الماركسي لقراءة واقعنا المحلي والإقليمي والدولي والصراع ضد الجمود الذي لحق بالماركسية في فترات على صعيد تجربتنا المحلية أو الصعيد العالمي. * غير أن انهيار الكتلة الشرقية أهال الأنقاض على هذا المنهج في رأي قطاع عريض باتساع العالم. ـ التزامنا بالمنهج الماركسي لا يلغي تعاملنا مع كل عطاء الفكر الإنساني ومعطيات ثورة المعلومات والتكنولوجيا في العالم وتجارب الشعوب والتزامنا كذلك بمواصلة البحث الجاد في أسباب انهيار التجربة الاشتراكية. * هل تقبلون على ذلك من منطلق البكاء على الأطلال؟ ـ بل من باب الحرص على ما يفضي إلى تصور واقعي وموضوعي بغية الوصول إلى الاشتراكية. * هل ستحرصون على الاحتفاظ باسم الحزب الشيوعي أم ستجارون ما حدث في الشرق الأوروبي؟ ـ ثمة خيار مطروح بأن يحتفظ الحزب باسمه وهناك اقتراحات أخرى مثل «الحزب الاشتراكي» و«الحزب الوطني الديمقراطي» و«الحزب الاشتراكي الديمقراطي». * عندما قلت في الندوة أنكم متمسكون بالماركسية هل كنت تحاول حسم الجدل المطروح أم انك تحاول إبلاغ المؤتمر الذي لم يلتئم بعد رسالة؟ ـ لا، ولكن المؤتمر وحده سيحسم كل الأشياء قيد الجدل والتداول حالياً. *كيف ترى المشهد العربي الحالي؟ ـ الحالة العربية بائسة ومحبطة بدليل أن القضية الفلسطينية أصبح يتبناها البيت الأبيض ويرسم لها خارطة الطريق وتتولى كوندوليزا رايس أمر طرح المبادرات. * وماذا عن المشهد الأفريقي؟ ـ ها هي أفريقيا في انتظار غودو. حاوره في الخرطوم ـ عمر العمر:_________________رجا العباسي

Saturday, July 16, 2005

ندوة "البيان": قراءة في المستقبل السياسي "الق


موضوع الرسالة: ندوة "البيان": قراءة في المستقبل السياسي "الق

خلال ندوة نظمتها البيان في العاصمة المصرية قراءة في المستقبل السياسي «القريب» للسودان على ضوء «اتفاق القاهرة» أقطاب "التجمع" المعارض تتنازعهم شكوك الماضي وتطلعات العهد الجديد: فاروق أبو عيسى: السودانيون حملوا السلاح في وجه النظام.. ولا خوف من "الصوملة" الفريق عبدالرحمن سعيد: نواقص وسلبيات شابت "إتفاق القاهرة" نتيجة عدم جدية الحكومة والوسطاء د. الشفيع خضر: عودة "التجمع" وقياداته لا تتحدد بحفل تنصيب وإنما بتوصلنا لاتفاق التوم هجو: مشاكل دارفور والشرق تؤكد أن حل الأزمة السودانية لا يتم بالتجزئة أدار الندوة: د. محمد السيد سعيد متابعة وإعداد: رجاء العباسي دخل السودان مرحلة جديدة في تاريخه السياسي منذ أن تم تنصيب الدكتور جون قرنق نائبا أول لرئيس الجمهورية، بمقتضى اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا بين حكومة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، وبدأ العد لفترة انتقالية ستستمر لمدة ستة أعوام تنتصفها انتخابات. وقد ألحق «اتفاق نيفاشا» باتفاق آخر لم تكتمل ملامحه بعد، وهو «اتفاق القاهرة» الموقع بين حكومة الخرطوم والتجمع الوطني الديمقراطي. «البيان» عقدت ندوة في القاهرة حضرها عدد من قيادات التجمع الوطني المعارض يمثلون اللجنة السياسية المفاوضة، في محاولة لقراءة كنه «اتفاق القاهرة» وأسباب عدم اكتماله، ومسألة نقل العمل السياسي إلى داخل السودان، وعدم مشاركة قيادات «التجمع الوطني الديمقراطي» في احتفالات التاسع من يوليو وتنصيب حليفهم د. جون قرنق، ورؤيتهم للفترة الانتقالية وإمكانية المشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة. واتفق المشاركون خلال الندوة على أهمية الاتفاق، رغم النواقص والسلبيات التي شابته في نظرهم، لكنهم لم يخفوا شكوكهم ومخاوفهم من عدم تنفيذ بنود الاتفاق أو التباطؤ في تنفيذها. كما انتقدوا دور بعض الوسطاء وما اعتبروه «عدم جدية الحكومة» أثناء مرحلة التفاوض. في بداية الندوة، أوضح د. محمد السيد سعيد ـ مدير مكتب «البيان» في القاهرة ـ أنها تأتي كمحاولة لقراءة المستقبل السياسي المباشر للسودان وفق ما تم من اتفاقيات للسلام خاصة «اتفاق القاهرة»، وطرح على الحضور تساؤلا حول كيفية الاستفادة من عملية إعادة نسج العلاقات السودانية ـ العربية، نظرا لما يحتله السودان من مكانة في قلوب العرب الذين يعتبرونه الجسر الرابط للعلاقات الأفريقية العربية. وأشار إلى أن «اتفاق القاهرة» شابته مشكلات وسلبيات كبيرة وكثيرة، بعضها له طبيعة عملية مثل غياب قضيتي الشرق ودارفور وما يعنيه ذلك بالنسبة لوحدة الدولة، وكذلك أهمية التحديد المسبق لتواريخ التفاوض بغض النظر عما تم التوصل إليه، وتأجيل أو تأخير المفاوضات وربط إنجاز «اتفاق القاهرة» بموعد تم تحديده مسبقا هو التاسع من يوليو، كذلك بعد أو قرب «اتفاق القاهرة» من «مقررات أسمرا 95»، وهل وئدت تلك المقررات وهي ابنة الـ 10 أعوام استجابة للتغيرات والضغوط الإقليمية والدولية وفرض حلول على التجمع؟ *الفريق عبد الرحمن سعيد: في رأيي أن النواقص والسلبيات التي شابت «اتفاق القاهرة«، جزء كبير منها نتج عن عدم جدية حكومة الخرطوم والوسطاء معا، حيث سار الحوار بطريقة غير الطريقة الواجب السير فيها، خاصة إذا قارناه بالحوار الذي جرى في نيفاشا.أولا: الوسطاء والحكومة لم يكونوا جادين في مشاركة كل فصائل التجمع ولم يكن هناك حرص على مشاركة الجميع بالقدر نفسه، وكانت الرغبة في الجلوس مع فصائل معينة لحضور هذا الحوار. كذلك لم يكن هناك أي حرص على مشاركة دول أخرى في رعاية التفاوض، رغم أننا كطرف رأينا أن تحضر بعض الدول التي قدمت للتجمع مساعدات كبيرة طوال فترة المعارضة ـ تحديدا أريتريا ـ وهذه الدول كانت ستساعد في دفع الحوار للأمام، وهو ما كان سيسهم بالتأكيد في تعظيم الفوائد. أيضا وللأسف، المعاملة من جانب الوسطاء بالنسبة لطرفي التفاوض: حكومة الخرطوم ونحن في التجمع، لم تكن متساوية، فالتجمع كان التعامل معه يتم في إطار كونه مجموعة من المعارضين أو الخارجين على القانون. أما الآخرون فهم حكومة مثلهم مثل الدولة الراعية. كنا نعاني من هذا (معارضون يناقشون حكومة).. في منبر نيفاشا لم يكن هذا الأمر واردا، فالدولة الراعية للمحادثات لم تكن تفرق في المعاملة بين المتمردين (الحركة الشعبية) والحكومة.. بل اعتبروهما طرفين متفاوضين متساويين. ومن النواقص التي صاحبت اتفاق نيفاشا كان التباعد الزمني بين الجولات. فالجولة الأولى بدأت في أغسطس، والثانية في أكتوبر، والثالثة في يناير، والرابعة في يونيو.. لم يكن هناك جدول زمني متقارب حتى لا تموت القضايا، ولفترات طويلة كان هناك تجاذب، فنحن في التجمع الوطني وضعنا عددا من الموضوعات المكتوبة والتي تحتاج لمزيد من البحث، وكانت الحكومة تنكر ذلك وتدعي أنه لا توجد أشياء معلقة وتصمم على الحضور في كل مرة فقط للتوقيع. وهو أمر أوقفنا كثيرا، فالتوقيع لا يجب أن يتم إلا بعد الاتفاق النهائي. في فترة إصرارنا على مناقشة أشياء معينة وإصرار الحكومة على التوقيع فقط حدث توقف طويل في المفاوضات، إلى أن أتى طرف ثالث وهو د. جون قرنق بعد أن أنهى منبره، ليتوسط وهو في الوقت نفسه جزء من التجمع، وجزء من المشكلة، توسطه كان لتحريك الأمور. هذه واحدة من السلبيات التي شابت »اتفاق القاهرة». * «البيان»: هل عدم الاهتمام بالتجمع يمكن رده إلى أن المجتمع الدولي ومصر رأوا أسبقية القضية العرقية على القضية الديمقراطية أم اعتبروا أن التجمع يعد هامشيا..؟ * الفريق سعيد: إذ كان الرأي هذا أو ذاك، فهذا يعتبر أيضا من السلبيات التي تحسب على الاتفاق.
* نواقص.. وإيجابيات* «البيان»: هذه نواقص وسلبيات شكلية.. ما هي النواقص الموضوعية داخل الاتفاق نفسه؟ هل هناك قضايا لم تأخذ حقها في النقاش؟ هل هناك قضايا نوقشت بشكل موسع على حساب أخرى..؟ وما هي ضمانات تنفيذ اتفاق بهذا الشكل..؟ * د. الشفيع خضر: عند محاكمة «اتفاق القاهرة».. بالتأكيد توجد فيه سلبيات، لكن فيه ايجابيات أيضا، خاصة وأن هدفنا في التفاوض لم يكن تحقيق انتفاضة أو تنفيذ مقررات أسمرا. الاتفاق يحتوي على محاور رئيسية، فمحور التحول الديمقراطي تحقق فيه الكثير، ومحور آخر يرتبط بقضية استقلال القضاء والقوانين، ومحور يرتبط بقومية الأجهزة سواء الأمنية أو العسكرية أو المدنية، ومحور السياسات الاقتصادية، ومحور ضرورة إعادة النظر في تجربة الحكم الفيدرالي واللامركزي في السودان.. كلها محاور حققت الكثير، ومن الصعب القول إن الاتفاق لم يحقق شيئا. القضية التي كانت تزعج الجميع الذين اعتقدوا أن التجمع سيجلس فقط ليتفاوض حول السلطة، هي القضية الوحيدة التي لم يحدث فيها اتفاق.. ولا أعتبر عدم التوصل لاتفاق فيها شيئا سلبيا، بالعكس، هذا يعني أننا لا نقبل المشاركة في سلطة سنكون فيها مجرد ضيوف في الوزارات. فما جدوى أن نرتدي «البدل» و«الكرفتات» ونجلس في مكاتب ووزارات تدار من خارجها أو من وكلائها؟.. وهي قضية نرفضها وستظل القضية الجوهرية معلقة حتى يبت فيها. وكلنا يعلم أن السلطة هي صمام الأمان للتغيرات التي تحدثنا عنها. إذا كنا نحن كحركة سياسية وجماهيرية تمسكنا بقضايا التحول الديمقراطي، وقومية الأجهزة، ومحاسبة كل من ارتكب جريمة تخص حقوق الإنسان، في حراك سياسي واسع داخل السودان، أعتقد أننا سنقطع شوطا كبيرا في تحقيق «اتفاق القاهرة» وتعبيد الطريق بالنسبة لنا لتحقيق «مقررات اسمرا» التي نؤمن أنها مقررات مناسبة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة. * التوم هجو: حدد التجمع الوطني قضيته في مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا 1995. وكان تحقيق القضايا بإسقاط النظام واقتلاعه من الجذور. وهذا لم يتحقق، ونحن لم نسلم بعدم تحققه.. وقد عملنا في إطار تحقيقه ولكن التفاوض في نيفاشا حدد لنا سقفا آخر. وسقط هنا مبدأ التجمع الذي تنتمي له الحركة الشعبية، في إسقاط النظام بالصورة المتوقعة. لا الحركة الشعبية ولا التجمع يتحمل تغير المسار. هذا واقع دولي فرض علينا.. وقبلته الحركة، وحققت من خلاله ما أمكنها تحقيقه بالنسبة للجنوب، أما فيما يتعلق بالقضية الكبرى للتجمع وهي التحول الديمقراطي فقد حققنا فيها ما استطعنا.إذا كان لدينا عتب على نيفاشا، فلا يقع على الحركة، وإنما على المجتمع الدولي الذي حاول أن يقايض قضية السودان عامة والتحول الديمقراطي والحريات، بإنقاذ قضية الجنوب والحرب فيه.. وهذا مبدأ سام، ولكن كان من الممكن أن يتم دون المقايضة بحقوق الآخرين. وهي نظرة سطحية ضيقة، حيث نجحت حكومة الخرطوم في إقناع العالم بأنه لا توجد أي قضية في السودان سوى قضية الجنوب. وهو الأمر الذي أثبت كذبه حينما حلت مشكلة الجنوب فبرزت المشاكل الأخرى في دارفور والشرق، لتعلنا أن الحل للأزمة السودانية لا يمكن أن يتم بالتجزئة. من هذا المنطلق وفي القاهرة لم نتعامل نحن في التجمع مع سقف القضايا المصيرية وإنما كان التعامل مع السقف المحدد في نيفاشا، وهذا ما ألزمنا به الواقع. وهدف «اتفاق القاهرة» هو محاولة استكمال النقص الذي أخفقت فيه نيفاشا فيما يتعلق بقضايا الحريات والشمال.. ولذلك كانت أولوياتنا في كل المفاوضات هي التحول الديمقراطي والسياسي واستعادة الحريات. وآخر بند كان هو نسب المشاركة في السلطة، بالرغم من أن الرأي العام المضاد كان يركز على هذا البند لتبخيس مطالبنا. وكما ذكر د. الشفيع، حدث اختراق واضح في المسائل التي تبناها التجمع فيما يخص الجانب السياسي، واستقلال القضاء ورفع المظالم ودفع الضرر. ولا نستطيع أن نقيس ما أنجز بالنسب، لأنها تمثل حقوقا، والحق واحد لا يتجزأ. حققنا جزءا كبيرا وما لم يتحقق لن نتنازل عنه وسنواصل المطالبة به في ظل واقع ومعطيات جديدة. * «البيان»: ماذا عن حقوق المفصولين والمحالين للصالح العام؟ * هجو: اتفقنا في منبر القاهرة على أن رفع المظالم ودفع الضرر يمثل عنصرا أساسيا، وتم الاتفاق على تكوين لجنة ذات سلطة قضائية يرأسها قاضي محكمة عليا يتم التوافق عليه، تعمل على رفع المظالم عن الأفراد والتنظيمات في كل بقاع السودان وفق قانون يصدر بمرسوم رئاسي.. وإصدار قرار رئاسي بإعادة المفصولين والمسرحين سياسيا وتعسفيا من الخدمة ردا للاعتبار فور التوقيع على الاتفاق، ويتم تكوين لجان بالاتفاق بين الطرفين لتوفيق أوضاع هؤلاء المفصولين. * «البيان»: هل يملك الاتفاق الضمانات الكافية دوليا وإقليميا لتنفيذ ما تم التوقيع عليه؟ * هجو: في رأيي نعم.. في نيفاشا خضعت الحكومة لضغط مباشر لذلك تنازلت، في القاهرة خضعت لضغط غير مباشر لتجنب العزل السياسي. سيستعيد التجمع بعودته إلى داخل السودان «كروت» ضغطه، فبحكم فصائله وظروفها يفقد التجمع كروت الضغط في الخارج لأن طبيعته غير عسكرية. كروته في الداخل هي قواعده السياسية. فبعد العودة سيتحرك الشارع السياسي وتنتظم الأحزاب. والمعادلة السياسية واضحة الآن، فالحركة جزء من النظام وجزء من التجمع الوطني، وجزء من أهدافنا المصيرية، والتجمع حقق جزءا من أهدافه وليس كلها. هناك قوى أخرى لا علاقة لها بالسلام الذي أتت به الحركة الشعبية أو أتى به التجمع، وهي قوى حرة في معارضتنا. والنظام هو الجهة الوحيدة التي تواجه هذه التيارات والضغوط. للأسف النظام ما زال يتمسك بحقوق ليست ملكه، سواء كانت في السلطة أو القوات. لا أعتقد أن النظام سيصمد مدة الـ 3 سنوات في التمسك بحقوق الآخرين.. وبالفعل بدأ التنازل بالرغم من أنه رفض التنازل في القاهرة عن سقف نيفاشا، لكن بالأمس في «أبوجا» وافق على أن يدخل في مفاوضات لا تعتبر نيفاشا هي المرجعية. دائما ما ينظر للتجمع بتركيز في فعاليته ومكوناته، ولم يحدث أبدا التركيز على جوهره. ففكرة التجمع فكرة رائدة صمدت 16 عاما بهذا الكم من الفصائل متعددة الأيديولوجيات والأعراق. حتى الأحزاب السياسية خلال هذه المدة لم تتمكن من الحفاظ على وحدتها وتماسكها، وهذه من أهم الإنجازات التي حققها التجمع. فلا توجد طاولة أو مجمع طوعي لقوى سياسية تتعدد آراؤها ورؤاها وأعراقها غير التجمع الوطني. والتجمع الوطني خلال هذه الأعوام خلق مدرسة قائمة بذاتها في كيفية اتخاذ القرار. فنادرا ما اتخذ قراراً بالتصويت، معظم قرارات التجمع تمت بالتراضي والتنازلات والمناقشات الطويلة، والتجمع هو ممثل للشعب السوداني. وبالرغم من أن هذا النظام أتى ليفرق بين الأحزاب وقواعدها، إلا أن حقيقة تمثيلنا للشعب لا يمكن تغييرها. فنحن لم نأت على ظهر دبابة أو فوهة بندقية، نحن جئنا عبر تمثيلنا الديمقراطي الحر، وكانت هناك ثلاث محاولات لقطع علاقة التنظيمات بقواعدها. وتمثل الأحزاب السودانية تجربة فريدة في عودتها المتكررة عقب أي حكم ديكتاتوري، وهذا يؤكد مدى ارتباطها بشعبها.. ونحن الآن سنعود إلى هذا الشعب وهذه القواعد. وأمام النظام الآن خياران: إما أن يتنازل تنازلا سياسيا، أو يسقط أيضا سياسيا. لأنه لن يظل في الشارع السياسي كما هو في ظل حريات واستقلال قضاء وحرية تعبير ووقف استغلال موارد الدولة الإعلامية والمادية والأمنية.
* الرهان على الشعب* «البيان»: التغييرات التي حدثت في الخارطة السياسية.. ألم تطرأ أيضا على القاعدة؟.. هل الشعب هو نفسه قبل 16 عاما؟ * أبو عيسى: التقليل من قدر الأطراف الأخرى لا يساعد القائد على السير في الطريق الذي يحقق منه أهدافه. هؤلاء الناس يملكون قدرات. وأحد ميزات هذا النظام ارتباطه بالحركة الإسلامية العالمية. الآن هم يستبدلون هذا بعلاقات دولية، سواء مع الولايات المتحدة أو وكالة استخباراتها وغيرها.. وهذا علينا أن نضعه في الاعتبار ولا نقلل منه، لكن في المقابل هذا لا يزعجنا طالما وعينا بأن كل ما نناضل من أجله ونطالب به يرتبط بمصالح الشعب. والأساس فيه التحول الديمقراطي ولقمة العيش والحريات، وتغيير شكل الاقتصاد الحالي القائم على طفيليين لا صلة لهم حتى بالاقتصاد الحر والذين أدت سياساتهم إلى خراب واتساع رقعة الفقر بين الطبقات الوسطى إلى حد ذوبانها تماما. وهذه هي إحدى القضايا الهامة التي على التجمع الوطني والحركة السياسية الاعتناء بها مع الديمقراطية، فالشعب لن يأكل ديمقراطية، بل يريد «كسرة، ملح، رغيف..الخ». أيضا هناك قضية المحافظة على وحدة السودان وحصر الاهتمام بمصالح القوميات الأخرى والجماعات العرقية والإثنية والدينية الموجودة في الأطراف، والإصرار على تصفية التهميش والظلم الذي كان واقعا عليهم. * هجو: إجابة هذا السؤال ستكون بعد شهور قليلة وبصورة عملية في الشارع السوداني. هذا سؤال جدلي الآن، ولكن بنزول التجمع الوطني والقوى السياسية للشارع ستختلف الإجابة، ويمكن أن نعكس السؤال إلى: هل استطاع نظام الجبهة الإسلامية أن يغير القاعدة والشعب السوداني؟ والإجابة هي: لا بكل تأكيد. والمجموعة التي كانت تحكم الآن تمثل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في مرحلة محددة، وهذا النظام أساسا ولد وترعرع في الجامعات. والمؤشر الواضح لفقدان هذا النظام امتداداته هي أن المكان الوحيد الذي نشأ فيه يتم إسقاطه فيه الآن من خلال قوى التجمع، فإذا انتفت قوة هذا التيار الذي يسمونه إسلاميا في الجامعات فلا يمكن الاقتناع بوجودهم في منطقة أخرى.. لأنهم في الأصل لم يكن لهم أي وجود في (الأراضي) الأخرى، ووجودهم الفعلي والحقيقي فقط هو كراسي السلطة، ولا يلتف حولهم سوى أصحاب المصالح. * «البيان»: ما هي التطمينات التي يمكن أن يرسلها التجمع حول إمكانية نجاح هذا الاتفاق الذي وضحنا ثغراته؟ * فاروق أبو عيسى: أي حل يتم عبر تفاوض في النهاية هو تراض، لا يحقق لأي طرف كل ما يريد. دخلنا بوعي كامل لمنبر القاهرة ونحن نعلم جيدا أننا لن نستطيع تحقيق كل طموحاتنا الموجودة في مقررات أسمرا. لذلك كان لنا موقف تفاوضي، لا يمثل الحد الأعلى لمطالبنا.. وفي هذا يمكن القول، بين قوسين، ان ما تم الاتفاق عليه قد تتلكأ الحكومة في تنفيذه، وهذا يستدعي مزيدا من الصراع بيننا وبينها. لكن الجديد أنه في حال إلغاء القوانين، لن نكون الوحيدين الذين يصارعون الحكومة، بل سنصارع ومعنا الشعب ممثلا في الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني.. وهذا هو هدفنا.. فبدلا من التفكيك عبر السلاح، نعمل على تفكيك دولة الحزب الواحد والنظام الشمولي عبر النضال الديمقراطي وتوسيع مشاركة الشعب بمؤسساته المختلفة. «اتفاق القاهرة» في هذا الجانب حقق نسبة عالية، وهذا هو الأهم، فليس هدفنا أهمية أنصبتنا في السلطة. وفي رأيي أن الاتفاقية إنجاز يمثل خطوات جديدة على طريق بناء سودان جديد ديمقراطي تعددي موحد. * «البيان»: هل يرتبط نقل العمل السياسي للتجمع إلى داخل السودان بإنجاز اتفاق ما.. أم يمكنه الدخول كمعارض؟ وماذا حدث لدعوة الحزب الشيوعي القديمة لنقل النشاط للداخل؟ وهل العودة ستكون جماعية أم لكل حزب وتنظيم حرية اختيار الوقت والكيفية؟.. وما هي مهمة اللجنة السياسية في الخرطوم؟ وهل سيشارك الحزب الشيوعي في الحكومة الانتقالية؟.. ولماذا لم تشارك قيادات التجمع في حفل تنصيب د. جون قرنق نائبا للرئيس؟ * التوم هجو: التجمع لم ينقل عمله للخارج إلا بعد أن أغلقت أمام وجهه كل أبواب العمل السياسي.. وفي الأساس كل تنظيمات التجمع تعمل في الداخل.بالطبع حدث تغير في الوسائل لتحقيق أهدافنا، لم نغير الأهداف ولم نتنازل عن أي هدف وسنسعى بكل ما نملكه لتحقيقها.. المشاركة في السلطة ليست هدفنا الأساسي.. سنشارك إذا كانت السلطة متماشية مع أهدافنا وأن يكون تواجدنا بالقدر الذي يتناسب وحجمنا السياسي، إذا لم يتوفر هذا فما زال لدينا الحق لاسترداده إما خلال الـ 3 سنوات أو عن طريق الانتخابات، فالمشاركة في السلطة ليست قراراً: نشارك أم لا نشارك. لن ندخل إلى السودان وفق مصالحة.. وما زلنا نتمسك بمبدأ الحقيقة أولا التي تؤدي لاحقا إلى مصالحة. سندخل إلى السودان إما مشاركين.. أو معارضين برؤية محددة، هي ما تبقى مما رفعناه في اسمرا 95.وهناك أمر مهم أحب توضيحه والتنبيه إليه، وهو أننا الآن في مرحلة شبيهة بمرحلة سابقة في عام 1988، وهي سنة مبادرة السلام السودانية. الآن هنالك سلام وفيه أشياء إيجابية كثيرة تحققت، وفيه أشياء تريد الاستكمال. فيجب أن نفرق بين محاربة السلام وبين السعي لاستكمال حقوقنا السياسية، ويجب علينا كقوى سياسية ألا نكرر خطأ مبادرة السلام السودانية 88 التي أدخلتنا والسودان كله في هذه المتاهة. وبهذا الصدد أريد توجيه رسالة لبعض القوى السياسية التي نحترمها، فنحن في التجمع الوطني لم نغفل أبدا الإجماع الوطني أو القوى السياسية خارج التجمع، ونطالب هذه القوى أن تتحلى بالمسؤولية في تناول هذا الأمر في هذه المرحلة، بالذات حزب الأمة الذي وصف «اتفاق القاهرة» بأنه اتفاق ثنائي يفتقر إلى المنطق. لأن «منبر القاهرة» أبدا لم يتعامل مع رؤية حزبية، بل تعامل مع القضية السودانية ككل. وهو يختلف عن «اتفاق جيبوتي» الذي أبرم بين حزب الأمة ونظام الإنقاذ، والذي هو بحق اتفاق ثنائي، لأنه في وقته ساعد النظام وشق الصف في التجمع الوطني. وحتى في تلك المرحلة تعامل التجمع بمسؤولية في تناوله لتلك المسألة، ولم يهاتر ولم يقلل من شأن حق حزب الأمة في الاتجاه الذي يريده. فالتعاطي السياسي غير المسؤول أو غير الأمين سيعيد السودان إلى المربع الأول. ويجب أن نفرق بين الأهداف الوطنية والأهداف السياسية والأهداف الشخصية الضيقة. يجب أن نسعى جميعا لاستعادة الحريات والديمقراطية وحقوق الشعب السوداني. ونذكر الصادق المهدي بمقولته عند عودته للخرطوم «بأن نفرق بين محاربة الوطن، ومحاربة النظام». * الفريق سعيد: اللجنة السياسية لم تكمل مهمتها بعد، فمازال لدينا بندان عالقان هما: نسب المشاركة في السلطة والمحددة بـ 14% وهذا مرفوض من جانبنا، والبند الخاص بترتيب أوضاع قوات التجمع الوطني، وهذا لم يبت فيه بالمرة.. وقد تم تقديم عرض هزيل من قبل النظام وهو غير مقبول. وحسب ملحق الاتفاق ستتم مواصلة التباحث حول البندين بعد أداء القسم، لذلك ستكون مهمة لجنة الآليات في الخرطوم هي البحث في البندين على ضوء الأوضاع الجديدة. حيث سيكون جون قرنق عنصرا جديدا في الحكومة.. ثم سيقرر التجمع وفق نتائج مباحثات اللجنة، ما إذا كان سيشارك في الحكومة أم سيستمر كمعارضة. والتباحث سيكون دون وجود الوسيط.. وسيكون في نهاية الأسبوع المقبل (15 يوليو).. أما عودة التجمع للداخل فسوف تكون جماعية وليست فردية. * د. الشفيع: دخول محمد عثمان الميرغني وقيادات التجمع للخرطوم لا يتحدد وفق حفل تنصيب د. جون قرنق نائبا أم لا، بقدر ما يحدده التوصل لاتفاق. إذن القضية ليست موقفا ضد حضور التنصيب، بل هو موقف بالنسبة لنا في حساب الخطوة السياسية الصحيحة كتجمع لدخول السودان بقيادة الميرغني.. وفيما يتعلق بحفل التنصيب فالتجمع وجًه كل قياداته السياسية في الداخل بأن تشارك في الاستقبال في المطار وفي حفل التنصيب. دخول التجمع للسودان سيكون بعد يوم 9 أغسطس، وهذا هو سبب ذهاب اللجنة للخرطوم وعودتها لتقديم تقريرها لاجتماع هيئة القيادة حتى يتم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن.أما فيما يخص مشاركة الحزب الشيوعي في السلطة من عدمها، فلا يوجد أي بيان رسمي أو تصريح من أي شخص في الحزب الذي أقام أول ندوة سياسية في الخرطوم، تقول أنه لن يشارك في السلطة، ولا يمكن أن يقال هذا لأنه لا يمكن إضعاف الموقف التفاوضي للتجمع، بأن يعلن فصيل داخله عدم مشاركته. وهنا يجب التوضيح بأن مسألة المشاركة في السلطة ستحسم على ضوء نتائج التفاوض النهائي بيننا والحكومة، إضافة لعوامل عدة يجب أن نضعها في الاعتبار أهمها وجود الحركة الشعبية في السلطة، النظام بعد 9 يوليو في الخرطوم ستكون فيه الحركة الشعبية، وهي جزء أصيل من التجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى أهمية المشاركة الفعالة. ومثلما ذكرت سابقا يجب أن نحدد هل المشاركة فعالة أم لا.. وأخيرا برنامج الحكومة الوطنية..كل هذه معطيات يجب أن توضع ليس فقط أمام الحزب الشيوعي، بل أمام كل القوى السياسية، وعلى ضوئها تقرر مؤسساته المشاركة من عدمها. وكل ما يدور الآن من عدم مشاركة «الشيوعي» هو مجرد همس أو رغبات ليست منا.
* تشخيص الأزمة* «البيان»: هناك ـ الآن ـ سيناريوهان كبيران: الأول تطور فوضوي بدلا من الحرب الأهلية قد يؤدي إلى توسيع الاشتباك، أي حرب شوارع.. الثاني: عملية مفتوحة قد نصل من خلالها إلى صيغة خلاقة لتعريف الدولة السودانية ومن ثم تأمين تطورها المستقبلي والعلاقة بين الدولة والمجتمع وأقسامه المختلفة.. هل أنتم مطمئنون لهذه العملية وأنها مفتوحة النهاية؟! * أبو عيسى: الحركة السياسية السودانية ومنذ فترة طويلة، متمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي لأول مرة تعمل على تشخيص الأزمة التي لحقت بالسودان منذ الاستقلال وحتى اليوم. في يونيو 95 في اسمرا اجتمعت كل القوى السياسية والنقابية والعسكرية والشخصيات الوطنية المؤثرة في السودان ـ ناقصا الجبهة الإسلامية ـ وأصدرت ما تعارفنا عليه بمقررات اسمرا المصيرية. قيمة هذه المقررات هي الاعتراف بوجود الأزمة منذ الاستقلال، وإدانة الرفض من قبل القيادات لهذه الأزمة ومحاولة تجاوزها بإنكارها.. المقررات وضعت برنامجاً لمواجهة مسببات هذه الأزمة، وصار التجمع منذ ذلك الوقت مبنياً على هذا الفهم.. هناك أزمة وهناك تشخيص وهناك حلول. ثم جاءت مشاكوس لتضع حلاً جزئياً وثنائياً خاصاً بقضية الجنوب، على اعتبار أن المجتمع الدولي فضل إيقاف الحرب كأسبقية لقضية التطور في السودان التي لا تهم المجتمع الدولي كثيراً. مشاكوس ونيفاشا حملتا في معالمهما الرئيسية ملامح مقررات اسمرا. فيما بعد ونتيجة لسياسات الحكومة وإصرار المجتمع الدولي حدث تفكيك لأزمة السودان في عدد من المنابر، فبعد نيفاشا أتى «اتفاق القاهرة».. وهو بطريقة أو بأخرى مبني على روح مقررات اسمرا. صحيح انه ليس بالنص المباشر، إلا أنها كانت هدف التجمع الدائم. والآن أبوجا وإعلان المبادئ أيضا يحمل ملامح اسمرا. الحركة السياسية السودانية نضجت لدرجة فهم الأزمة ومعرفة الحلول، وأصبحت لديها تجربة محترمة في تنظيم نفسها، بالرغم من أن الجبهة الإسلامية حينما أتت بانقلاب 30 يونيو 1989 كسرت كل «المواعين» المتمثلة في النقابات، الأحزاب والمنظمات المدنية، إلا أنني على ثقة بأن كل هذا سيتجمع مرة أخرى وبسرعة. لذلك فالخوف من أن يتحول السودان إلى صومال آخر خوف بعيد.. لأن الجميع متفق على تعريف الأزمة، ومتفق على ما هو الحل، وأيضا يملك الجميع الخبرة من تجربة تنظيم الصفوف. حتى ما حدث في دارفور لا يمثل انفلاتاً مثلما حدث في الصومال، هناك جماعات من طلائع الشعب في دارفور حملت السلاح لتنفيذ رؤيتها. والفهم الذي حدث في بعض وسائل الإعلام الخارجية بوصف ما حدث في دارفور بالانفلات هو فهم مسطح، فشعب دارفور وصل إلى قناعة بأن الديمقراطية ضرورية لبقاء السودان الواحد، السودان متعدد الأعراق، وهي قناعة لم تقتصر على شعب دارفور فقط، فنحن في التجمع الوطني حملنا السلاح. وحمل السلاح هنا ليس لإحداث فوضى، وإنما بهدف استعادة الديمقراطية والسير في طريق بناء سودان جديد وتجاوز أزمته. * د. الشفيع: السيناريوهان اللذان أشرت إليهما واردان، ولا يمكن لأحد أن يلغيهما. ولكن للوصول إلى أي الاحتمالين أقرب للحقيقة نتناول الخطوات والعوامل التي تقرب أو تباعد أي احتمال، وهي الحركة السياسية.في رأيي أن «اتفاق القاهرة»، وحتى اتفاق نيفاشا، دخلتهما القوى المتفاوضة من وجهات نظر متغايرة تماماً، فالحكومة دخلت التفاوض وفي ذهنها حل قضية السلطة أو البحث عما يمكن أن يؤدي إلى عدم التنازع حول السلطة. كثير جداً من الحكومات، حتى أشرسها ديكتاتورية، ترى في تثبيت وضعها بعض التنازلات وإلا لما ذهبت للتفاوض. على الجانب الآخر، نجد أن التجمع الوطني لا تمثل له السلطة الهدف الأساسي، ولا اعتقد أن هدفنا يمكن أن نخفيه وهو تفكيك النظام، وفي الوقت نفسه وضع لبنات لإعادة صياغة الدولة السودانية على أسس جديدة. وهذا هو جوهر فكرتنا في مقررات اسمرا، وهو جوهر ما دخلت به الحركة الشعبية في الإيقاد. ولكنني أرى أن كل التفاوض جاء في لحظة توازن قوى محددة، وهو توازن ضعف، بمعنى أن أيا من الطرفين لم يكن لديه القوة الكافية ليهزم الطرف الآخر، سواء في الحكومة أو المعارضة. وفي هذا النوع من التوازن دائما ما تكون الحلول ذات سمات متشابهة، بغض النظر عن الاختلافات الجوهرية هنا وهناك. تقديري أن الوضع الذي سينشأ في السودان هو وضع جديد ومختلف عن سابقه، وسيحرك عجلة جديدة، إن لم تكن متحركة، وعلى القوى السياسية بحث كيفية الحفاظ على حركة هذه العجلة بحيث تخرج احتمال التمزق والانفلات. * «البيان»: «العجلة» هذه تطلق جدلية احتمال ظهور قوى جديدة.. ما هي هذه القوى؟ * د. الشفيع خضر: القوى الجديدة هي الحركة السياسية السودانية نفسها القديمة وإنما بمعطيات جديدة. حتى الحركة الإسلامية التي كانت تحكم، لا أعتقد أنها ستظل هي نفسها كما كانت في 89. هناك وضع جديد ومناخ جديد وأطروحات ومفاهيم جديدة. فالحركات العسكرية التي تتم في الأطراف، أرى أنها تطرح قضية وكأننا سنعيش عصرا يعكس المسار الذي تعودنا عليه في السابق، حيث كان يبدأ التغيير في المركز ثم ينتشر إلى باقي الأطراف. الآن يبدأ بالأطراف ويحاصر المركز ليستجيب لهذا التغيير. لذلك فأنا أنظر بإيجابية للمطالب التي تقدمها الحركة في دارفور أو في شرق السودان أو أي منطقة أخرى، بغض النظر عن ردة الفعل العنيفة التي أدت إلى الإبادة.. الخ، وهذا يستوقفني للبحث عن أي حل يوقف هذه الإبادة ثم أواصل في مسيرة العجلة التي تحدث التغيير، لأنني لست من أنصار «فليمت الناس من أجل التغيير». أيضا ما يحدث في السودان الآن مختلف عما تعودنا عليه سابقا. ففي أعوام 1964 و1985 حدثت ثورات ضد حكومات عسكرية.. هذه الثورات أحدثت تغييرا فجائيا وأطاحت بنظام قديم وأتت بحكومات ديمقراطية حاولت أن ترسي للدولة أسسا جديدة، لكن المحاولات فشلت. الجديد في التغيير الآن أنه ليس انتفاضيا ولا فجائيا، وإنما هو تدريجي تشارك فيه أطراف الحركة السياسية. وبصفة عامة قبلت هذه الحركة أو لم تقبل فهي ضعيفة، الحاكمة، أو المعارضة، وهي إشكاليات موضوعية في تركيبة الحركة، لكن لديها من القدرة والعزم ما يجعلها تعيد نفسها بشكل جديد. الصراع السياسي الموجود في السودان في مناخ جديد يجعل المهمة أمامنا لتحقيق سيناريو الاستقرار وعدم التشرذم، هي الحفاظ على التحول الديمقراطي وطرح مشروع الإجماع الوطني على أساس أنه صمام الأمان. وفي الوقت نفسه هذان المشروعان لا يعنيان التغاضي عن المطالب المشروعة الموجودة، كقضيتي دارفور وشرق السودان. في رأيي أن هاتين القضيتين بعد 9 يوليو سيتم التعامل معهما من قبل السلطة المركزية بصورة مختلفة. فليس بالسهولة أن يتحالف المركز، معارضة أو حكومة، حول الرؤية القديمة التي كانت تنظر بها سلطة الإنقاذ تجاه دارفور، ك«صعاليك» يمكن إبادتهم ببعض الطلعات الجوية.
* علاقات «التجمع» العربية* «البيان»: العلاقات العربية ومصر تحديدا.. في السنوات الماضية كان العامل الدولي هو الأساسي بالنسبة لكم.. إلى أي مدى نجحتم في التجمع الوطني مع المحيط العربي..؟ * التوم هجو: لا نستطيع القول بأننا راضون عما حققناه على المحيط العربي، ولكن يمكن القول بأنه ما زال هناك الكثير المطلوب من المجتمع العربي، وكان يمكن أن يكون الواقع السياسي أفضل إلا أن المستقبل السياسي ما زال غامضا، لأن الاتفاقيات التي تمت في السودان كانت بعيدة عن الهدف الأسمى الذي نسعى إليه، وهو أن يكون السودان موحدا ودولة فاعلة. المكونات الموجودة الآن للأسف مزعجة، فنحن إما أن نتجاذب لتحقيق ما تبقى من أهداف، وإما أن يصبح هذا النظام دائما. في رأيي أن هذا النظام قدم تنازلات تكتيكية وليست جوهرية. والدليل تمسكه بأشياء ليست من حقوقه، ويعلم جيدا أنها ستظل عقبة أمام وحدة الصف السوداني والإجماع الوطني. فالجبهة الإسلامية عبر آخر قياس ديمقراطي حصلت على 5%، الآن هي تتمسك بـ 52% وهي تشكل الضلع الضعيف في «جبهة الإنقاذ» أو ما يسمى الجبهة الإسلامية. هذه نقطة جوهرية ظللنا في التجمع الوطني الديمقراطي نقنع بها الإخوة في مصر والعالم العربي حتى نصل إلى فهم مشترك، وأن القضية في السودان ليست قضية الحكم.. وما زال النظام مستعدا لإعطاء أي حزب يشاركه شريطة أن يسير معه في نفس النهج، والذي نراه نهجا مدمرا إن لم يوقف عند حده سيؤدي إلى زوال السودان كدولة موحدة. يجب أن يتذكر الجميع أن القوى الديمقراطية كانت قاب قوسين أو أدنى من حل مشكلة الجنوب باتفاقية لم يكن فيها بند تقرير المصير أو اقتسام للسلطة أو الثروة، وأجازها البرلمان الذي مثل كل الشعب السوداني، ولم يكن هناك من معترض غير النظام الموجود حاليا.. ومن وجهة نظر ليست سياسية أو ديمقراطية، وإنما وجهة نظر دينية بحتة (!). وحتى نطمئن على مستقبل السودان لا بد أن يتم عمل مشترك بين القوى الوطنية الحقيقية والقوى العربية الداعمة وعلى رأسها مصر، فسيبقى الهدف هو وحدة واستقرار السودان اللذين يمثلان الهدف المصيري لمصر. لأنه إذا ما حدث انفصال بين شمال وجنوب السودان فلن يقف عند هذا الحد، فدارفور ما زالت تفاوض والشرق غير معروف، وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وأبيي وضحت معالمها في نيفاشا. د. الشفيع: في رأيي أن ما حدث خلال الـ 16 سنة الماضية يعتبر فرصة لم تحدث من قبل فيما يتعلق بمحاولة تفهم مصر للمشكلة السودانية، ومهما قيمنا الاتفاق ومهما كانت السلبيات التي يحتويها إلا أن هناك حقيقتين ستظلان موجودتين، وهما: أن مصر الرسمية، القيادة لعبت دورا مثاليا وإيجابيا من أجل إحداث تغيير في السودان، بغض النظر عما إذا كان هذا الدور مرضيا بالنسبة لي أو لغيري أو لثالث. الحقيقة الثانية أن مصر كقيادة وحكومة تعاملت مع كل ألوان الطيف السياسي السوداني بطريقة جديدة وعائدها سيكون إيجابيا. وبالتالي أنا كممثل لقوى سياسية أشعر برضا كبير عن دور مصر الرسمي تجاهي.. على المستوى الشعبي، لا أعتقد أن هناك أي سوداني سينسى أن الشعب المصري استضاف أعدادا هائلة من الشعب السوداني، قاسمهم لقمة العيش، والتعليم والخدمات.. الخ. ولا يوجد شارع في مصر لا تجد فيه سودانيا. هاتان النقطتان مهمتان للغاية، لأنهما مستقبلا ستساهمان في تفهم الشخصية السودانية، العادية والسياسية.. وكيف تؤثر العادية على السياسية. لأنه وفي مستوى ثالث حدث تطور في العلاقات الشعبية والرسمية، وإن كانت الشكوى مستمرة من أنها ليست بالمستوى المطلوب بين الأحزاب المصرية والسودانية، ولكن هناك علاقة مؤكد أنها أفضل مما كانت عليه في الماضي. هذا يجعلنا على الفور نلتقط القفاز لنتحدث عن التكامل المصري السوداني، فبدلا من أن يكون تكاملا بالمعنى البيروقراطي وينحصر في الفرض من السلطة.. وبالتالي أي من الطرفين يصر على الدفاع عن السلطة أيا كان رأي الشعب فيها، اعتقد أنه آن الأوان لأن ينبع هذا التكامل من أسفل، بمعني المستوى الجماهيري والشعبي والقاعدي، لأن التكامل في النهاية لمصلحة المواطن، والمواطن هو أحسن من يصوغ مطالبه ويمكنه حماية هذا التكامل بغض النظر عن الحكومة الموجودة في مصر أو في السودان. ويمكن لهذه العملية أن تقودها المؤسسات المدنية بما فيها الأحزاب في السودان ومصر، عبر إبداع جديد وتشخيص جديد، ??دلا من حصر الأمر في بعض الموظفين هنا وهناك. * «البيان»: الحضور السوداني الشعبي الكبير في الخليج كان له دور، ليس فقط اقتصاديا وإنما أيضا سياسياً.. قوة الجبهة القومية الإسلامية جاءت من الطبقة الوسطي التي عاشت في الخليج وتبنت رؤاها.. الآن تركيبة الموجودين في الخليج مختلفة.. إلى أي حد خاطبتم هؤلاء؟ وما هو التصور لدور الجسر السوداني الخليجي في الاستثمار وتنمية الأطراف؟ * أبو عيسي: تقريبا كل الحكومات العربية خلال الـ 16 سنة التي عاشها نظام الإنقاذ، فيما عدا القليلين الذين كانوا يرون في سياسات هذا النظام سياسات معادية للامبريالية والصهيونية.. الجميع تقريبا كانت سياسته التقليدية هي أن يكونوا على وئام مع من يحكم في السودان باعتبار أنه بعيد عن المشاكل والتعقيدات والتنافسات العربية. هذه المرة، نجد أن هذه الحكومات والنظم بعد عام واحد من حكم الجبهة تحولوا إلى أعداء لها نتيجة لسياساتها المتمثلة في تصدير الثورة الإسلامية إلى الجيران، وهذا هدف شمل كل الأقطار بدءا من الجزائر، إلى المغرب، إلى تونس.. واستمرت المسألة ولم يكن لهم من نصير ??ي هذه السياسات إلا نظام العراق تحت حكم صدام، وقليل من تأييد سوريا وليبيا لفترات. موقف مصر وقيامها بتسويق هذا النظام للعالم والعرب في العام الأول منه جعل كل العرب يقفون معه، لكن بعد أن كشف عن وجهه الحقيقي واستهدافه لكل العالم العربي عبر أجندتهم ومشروعهم الحضاري، ومحاولتهم تصفية النظام المصري عبر محاولة اغتيال الرئيس مبارك.. هذا كان له آثار مادية في كثير من البلاد، مما أدى لإنهاء العلاقات. هذا الغضب العربي حاولنا الاستفادة منه، وتحويل سياسات النظام نحو هذه الدول إلى داعم لنا. لكن هذه النظم بطبيعتها المعروفة، غير قابلة للتعامل مع معارضات، أيا كان نوع هذه المعارضة، خصوصا إذا كانت مثل التجمع الوطني الذي يطرح ويعمق فكرة التحول الديمقراطي والتعددية وتصفية ترسانات القوانين.. وهنا يجب الاعتراف بأننا كنا نجد تعاطفا، وفي بعض الأحيان الدعم الأدبي وبعض الأحيان المادي «قليل جدا» من بعض هذه الدول. الخليج، ولفترة طويلة قبل وبعد هذا النظام، مثل مصدرا لإعاشة كثير من الأسر السودانية، خصوصا الطبقة الوسطي. فتأسست علاقة عميقة قامت على الاحترام والثقة في قدرات الفرد السوداني أيا كان اختصاصه، لكن للأسف لم يحدث تثمين لهذا، وكان يمكن أن يشكل ثورة للتطور والتنمية في السودان، وفي رأيي أن السبب كان عدم الاستقرار السياسي في السودان. بالنسبة لنا كسودانيين فإن مصر حالة خاصة، وفي ضمير أي سوداني هناك تقدير خاص للعلاقة مع دول الخليج دون سائر العرب. وهذا ناتج للتداخل بأشكاله المختلفة. * د. الشفيع: هناك نقطتان في اتجاه هذا الحديث يمكن أن تمثلا تربة صالحة للتنمية، واحدة ايجابية، وأخرى سلبية. الناحية الايجابية أن الخليج يعرف السوداني بمشاركته المباشرة في دواليب العمل المختلفة في الخليج، وبالتالي هناك سمعة طيبة للكفاءة السودانية.الجانب السلبي الذي يجب التخلص منه هو استشراء الفساد في السودان، أقصد الفساد النابع من سوء استخدام مال الدولة. إذا نجحنا في تحجيم هذا الفساد، والاستفادة من الصورة الطيبة للسوداني اعتقد أننا يمكن أن ننطلق لجهتين. الجهة الأولى هي أن هناك كفاءات كبيرة يحتاج لها السودان، وشردت منه، مثلا عدد القضاة المفصولين والموجودين في الخليج هم وحدهم يمكن أن يشكلوا جهازا قضائيا كاملا. ناهيك عن الخبرة، والدليل أن المذكرات وصياغة المواد القانونية التي وردت في وثائقنا كانت بمشاركتهم، وبالتالي السؤال المباشر: كيف يمكن أن نستفيد من هؤلاء الكوادر في الرجوع مقابل استمرار الخليج في دفع رواتبهم، على الأقل في الفترة الانتقالية، وهذه قضية تم طرحها في ورقتنا الاقتصادية، لأن أي مواطن سوداني من حقه حياة كريمة. الجهة الثانية.. كيف يمكن أن نعطي سياسات تفضيلية فيما يخص الاستثمار في السودان في مقابل المقومات والمميزات التي يملكها الخليج؟ هناك تاريخ مشرف في التعامل مع الخليج، فمثلا الشيخ زايد ـ رحمه الله ـ قدم مبادرة لحل القضية السودانية، هناك كثيرون لا يعرفون تفاصيلها.. والكويت لها شهرة في لعب دور كبير في تنمية الجنوب، حتى الشيخ عبد الله الثريا كان يقيم هناك فترات طويلة، كان موظفا تحول إلى سفير نظير ما قام به. تقريبا أي بيت في السودان يعيش من أموال تأتي من الخليج، لذلك فإن النفسية السودانية جاهزة لإعطاء أفضلية للخليج في الاستثمار لصالح التنمية في السودان.
* قلق على المستقبل* «البيان»: هل يمكن تسيير جهاز دولة في ظل سلطة جديدة ذات طبيعة متنافرة ومزدوجة.. وقد يغيب عنها التوازن وتحكمها رؤى عالمية متصادمة إلى حد بعيد؟.. فهذا سبب كاف للقلق على مستقبل السلام في السودان خاصة في غياب دستور يؤمن ويحمي الحريات العامة وينقل السودان الجديد إلى نظام ديمقراطي.. * أبو عيسي: يدخل السودان في مرحلة تمثل كل الأطروحات قضايا حالة في الحراك السوداني.. قضية المرحلة الجديدة التي يقبل عليها السودان الآن، والإجراءات العديدة المتفرقة التي تمت في الفترة الأخيرة والتي أردنا نحن في التجمع أن تتم كحزمة واحدة وفي منبر واحد. لكن الموقف الرسمي لحكومة الخرطوم حال دون ذلك، وموقف المجتمع الدولي المتمثل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول «الإيقاد» أيضا أسهم في الحيلولة دون ذلك، والذي أدى بنا للتعامل مع القضية السودانية عبر منابر مختلفة، وهذا له سلبياته التي تؤثر سلبا على مجرى التطور في المستقبل القريب في السودان. أوافق د. محمد في طرحه، بأن نستصحب معنا في هذا الشأن البعد العربي والمصري والأفريقي، فأنا على قناعة بأن السودان جزء من الأمة العربية بقدر ما هو جزء من الأمم الأفريقية، وهو يؤثر ويتأثر سلبا وإيجابا فيما يجري في هذين المحيطين، خاصة ونحن نتحدث عن العولمة والتداخل الأممي في كل القضايا وأمهاتها، خاصة الاقتصاد والثقافة.. الخ. كثير من المفكرين والمراقبين يريدون أن يسلخوا السودان من هذين البعدين، ويتعاملون معه في حل قضيته فقط وأزمته القديمة ـ الجديدة التي بدأت منذ الاستقلال ولكنها تعمقت على يد الجبهة الإسلامية في الـ 16 سنة الأخيرة. يريدون أن يسلخوه من هذه اللحمة العربية والأفريقية والتعامل معه وكأنه منبت لا صلة له بهذين البعدين. في رأيي أن هذا يضر بالسودان ولا يمثل الواقع، لأن السودان في النهاية هو جسم حي يتأثر بما حوله ويؤثر فيه، ولذلك لا يمكن الحديث عن تطوره بعيدا عن التعقيدات الدولية بعد وحدانية القطب. ومسألة العولمة وسيادة قيم السوق الحر، كل هذا سيؤثر في السودان بالطبع وفي الم??تقبل القريب. نحن في التجمع الوطني الديمقراطي، عندما نتحدث عن الحلول اللازمة للأزمة السودانية نهتم بما يتعارف عليه الناس بالعلاقات الخارجية أو السياسية الخارجية، وليس مقصودا التسميات بقدر ما هو مقصود هذا البعد، وهذه العلاقة بالإقليمي والدولي. أيضا ليس صدفة أن يكون الاتفاق الذي نتحدث عنه الآن ويثير كل هذه الأسئلة هو اتفاق تم في القاهرة، العنصر المصري فيه موجود، سلبا وإيجابا. ولذلك أيضا فمحاولة عزل الأمور عن بعضها غير واقعية، لأن هذه الأسئلة مرتبطة ب«اتفاق القاهرة» الذي كانت فيه مصر هي الوسيط أو الشريك.. أي هي طرف مؤثر فيه.. وهذا يقتضي حتى في المستقبل القريب، التركيز على تنمية هذه العلاقة الخاصة في السودان، وتأثيره إفريقيا باعتباره الجسر الذي يربط بين الأمة العربية والشعوب الأفريقية. وهذا عنصر مهم وإيجابي في مصلحة تطور السودان في الفترة المقبلة. * «البيان»: الصراع لم يكن أبدا حول الإسلام وإنما حول إساءة استخدام الإسلام في الحكم.. شعب السودان والشعوب في الخليج لديهم تراث إسلامي عريق، هل لديكم رؤية لتحسين تلك الصورة التي قدمتها تجربة الإسلام السياسي التي عاشها السودان لمدة 16 عاما؟ * التوم هجو: الأزهر الشريف يمثل نموذجا يجب الاقتداء به في المنطقة العربية. بالنسبة لنا في السودان دخل الإسلام بطريقة طوعية وبالقدوة الحسنة، وانتشر في كل أنحائه دون إراقة دماء.النموذج الإسلامي الذي تبنته الجبهة الإسلامية هو نموذج دخيل لا علاقة له لا بالتركيبة أو القاعدة الإسلامية في السودان، والتي يمكن أن نطلق عليها «قاعدة صوفية».. وبالرغم من أننا كشعب سوداني دفعنا ثمنا غاليا من هذا النموذج، إلا أننا نتمنى أن يستفيد كل العالم الإسلامي من هذه التجربة.. لأنه أول تنظيم ادعى ـ حسب وجهة نظره ـ أن الرؤية والإيديولوجية الإسلامية هي الحل لكل المشاكل، وأثبت فشله بعد 16 عاما من خوضه كل التجارب منفردا في فرض الخيار الحضاري، حتى فشل في أن يستمر كمجموعة مشتركة.. ناهيك عن فشل محاولتهم في الحفاظ على وحدة السودان أو تطويره. حتى مشكلة الجنوب لم يبرز فيها العنصر الإسلامي إلا بعد مجيء هؤلاء للسلطة، والدليل أنه طوال سنوات الحرب السابقة لم ينزح الجنوبيون إلى خارج السودان وإنما إلى مناطق الشمال المسلمة.تجربة الإسلام السياسي في السودان أثبتت فشلها التام، ولم يكن في تاريخ السودان أي إسلام سياسي، حتى المهدية لم تستخدم الإسلام في الحكم وكان تركيزها لاستنهاض المسلمين لمحاربة المستعمر فقط، لكن لم تحاول أن تحارب المسلمين الآخرين. حقيقة نموذج الإسلام القديم في السودان كاف، نملك رؤية صمدت مئات السنين وجمعت الشعب السوداني بتعدد أعراقه، ولدينا مفاهيم متأصلة في الطرق الصوفية سواء في مصر أو السودان.يجب ألا يكون المطلوب إسقاط الدين من حياة الناس. تاريخ السودان السياسي والديني مر بمرحلتين: هناك مرحلة ايجابية، وأخرى سلبية تماما تمثلت في محاولة فرض وجهة نظر دينية محددة على كل التيارات الدينية واللادينية، ومحاولتهم إعادة صياغة المجتمع على أسس إيديولوجية دينية. نعم كانت هناك شعارات انتخابية في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي، وعن الدستور الإسلامي، ولكنها كانت مجرد شعارات انتخابية لم تفرض على أحد أي شيء. في رأيي أن ضرورة فصل الدين عن السياسة وضحت تماما بالتجربة التي مر بها السودان. لكن يجب ألا يعمم أن أي استخدام للدين هو شيء ضار بحياة الناس. نعم الدين جاء لتنظيم حياة البشر ولكن أهل الإنقاذ استخدموه لأغراضهم. فكل من لم يؤمن بمنهجهم في الدين ليس له حق في الوظيفة أو الحياة ويفقد حقوقه كمواطن. وهناك المئات الذين فصلوا على أساس ديني، والقوات المسلحة أيضا صفيت قياداتها على أساس ديني.. وهذا مرفوض، وهذا هو ما نقصده حينما نتحدث عن فصل الدين عن الدولة. * فاروق أبو عيسي: قضية استغلال الدين في السياسة أحد مسببات الأزمة في السودان، والدليل أنها شخصت في «مقررات أسمرا» وأصبحت جزءا من برامجنا. صحيح أن أحزابنا الكبيرة تنتهج إسلاما صوفيا، وهو ما حمى التجمع الوطني من رفض وجود هذه الأحزاب التي تعرف بتدينها. ومن ضمن مطالب أهل دارفور في أبوجا فصل الدين عن السياسة، وفي رأيي أن أحد عيوب اتفاق مشاكوس هو سماحه باستغلال الدين في السياسة، وتقسيم السودان على أساس ديني. قضية الدين تبقى أحد مكونات الأزمة، واعتقد أن التجمع الوطني قطع مشوارا طويلا، فوجود السيد الميرغني ـ وهو زعيم ديني ـ في رأس التجمع ساعد أيضا، ففي نيروبي 1994 وجدنا صيغة لحل أزمة الدين والدولة دون إحداث شروخات هنا أو هناك في أطراف التجمع، وهى أن تكون المرجعيات فيما يخص حقوق الناس هي المرجعيات الإنسانية الدولية، وأن يكون الأساس في العلاقة بين الفرد والدولة هو الحق في المواطنة، بغض النظر عن الخلافات الدينية والعرقية.. إلخ. * د. الشفيع خضر: أرى هذا السؤال مهما للغاية.. ويرتبط بكيفية إدخال هذا العامل الديني واستخدامه، لأنه مثل واحدا من الشعارات الكبيرة التي رفعت خلال الـ 16 عاما الماضية واستخدمت في إعادة صياغة المواطن السوداني. وكأن السودان قبل انقلاب يونيو 89 كان في الجاهلية، في حين أننا كنا نملك إسلاما بطعم سوداني. لم يكن شاذا وإنما كان عاملا أساسيا من مكونات الشخصية السودانية، وبالتالي الدين الإسلامي مكون أساسي في الوجدان السوداني، ويستحيل الحديث عنه بلغة نعم أو لا. ما نريد قوله، إننا الآن في مرحلة تشكل، والإسلام مع عوامل أخرى في السودان هو عامل من عوامل الوحدة، وساهم في تشكيل السودان بالشكل الجغرافي الذي نعرفه. لذا فمن الممكن لهذا العامل الوجداني الذي يحمل القيم السمحة أن يتم استخدامه عبر إتاحة مساحات لتفجر هذه القيم وعبر محاذير تمنع إساءة استخدامها. مثلا نحن ضد إدخال مفهوم الأغلبية والأقلية فيما يخص العلاقة بالدين. إذا قلنا إن السودان أغلبيته مسلمة وأقليته غير مسلمة لا ينفع الدخول في هذا الجدل، لأن غير المسلم سيظل غير مسلم وسيدافع عن وجدانه بحيث يحدث التصادم. لذا أدخلنا مفهوم التراضي الديني وترجمناه لأشياء بسيطة للغاية، وتحقق جزء كبير من الحديث الذي أشير إليه في حرية البحث والاجتهاد. _________________رجا العباسي

Sunday, July 10, 2005

البشير والترابي وجارانج في جلباب هذا الرجل

البشير والترابي وجارانج في جلباب هذا الرجل
البرعي‏..‏ آدم السودان
أسماء الحسينيلم يقترف السياسة‏,‏ لكنه ذهب إلي منتجع نيفاشا في كينيا ليبارك مفاوضات السلام بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة المركزية في الخرطوم‏.‏ أحب مصر ومات فيها‏,‏ وكتب عنها قصيدة شهيرة بعنوان مصر المؤمنة بأهل الله لكنه غير معروف إلا بين أتباع الطرق الصوفية‏.‏ قام بكثير من المصالحات بين القبائل والأحزاب السودانية المتناحرة‏,‏ أما أتباع الديانات الأخري فكانوا يعتبرونه رمزا للتسامح‏,‏ وينظر إليه كبارقة أمل لنهاية مشروع الإسلام السياسي‏.‏رغم أنه اختار التصوف لنشر رسالته‏,‏ فإنه كان مصلحا اجتماعيا من نسيج خاص‏.‏حروب السودان علي السلطة وعلي الأفكار والأديان‏,‏ كانت تدور بعيدا عن قيمته المتواضعة‏.‏تحولت أرجاء السودان في الأيام الماضية إلي مأتم كبير‏,‏ وفاق حزن السودانيين علي رحيل الشيخ الصوفي عبدالرحيم البرعي كل حزن سواه‏,‏ وجمع مأتمه كل الفرقاء السودانيين الذين فرقت بينهم سبل السياسة‏,‏ ونعاه كل المختلفين‏,‏ وسار في جنازته الزعماء العوام‏,‏ المسئولون الحكوميون والمعارضون‏,‏ الرجال والنساء‏,‏ والصغار والكبار‏,‏ ورموز الفن والأدب والسياسة والرياضة‏.‏وقد كان الراحل العظيم بحق شيخ السودان‏,‏ والرجل الذي يجمع عليه السودانيون الذين لا يجمعون علي شيء تقريبا‏,‏ بل كان أبا للجميع‏,‏ وكيف لا يجمع الرجل السودانيين في موته‏,‏ وقد كان جامعهم في حياته‏,‏ فمن هذا الشيخ الأسطورة؟ وما المؤهلات التي أوصلته إلي هذه المكانة الرفيعة؟ وما حكايته مع مصر؟ ولماذا ذهب إلي محادثات السلام السودانية في نيفاشا بكينيا؟التف السودانيون حول الشيخ البرعي‏,‏ ربما لأنهم كانوا يبحثون عن رمز وطني وديني واجتماعي يلتفون حوله بعد خيبة أملهم في كل زعمائهم وقياداتهم السياسية‏,‏ وقد مثل لهم البرعي بارقة أمل ورمزا وقدوة علي مختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والثقافية والقبلية والاجتماعية‏,‏ حتي غير المسلمين منهم كانوا يكنون له الاحترام والتقدير‏,‏ ويعتبرونه رمزا للمحبة والتسامح والبساطة وقبول الآخر‏.‏وقد استخدم البرعي صلاته الحميمة بكل القيادات السياسية وألوان الطيف السياسي الذين كانوا يسعون إليه ويفخرون بقربهم منه لصالح الوطن ولعقد المصالحات ونزع فتيل كثير من النزاعات‏.‏في رحلته الأخيرة للعلاج من مرضه الذي ألم به جاء الشيخ البرعي إلي مصر محبوبته التي أحبها في شبابه قبل أن يراها وضع لها مكانة في قلوب السودانيين‏,‏ وكتب فيها أروع ما كتب عنها وضمنها قصيدته الشهيرة مصر المؤمنة بأهل الله التي حفر فيها في الوجدان السوداني حب مصر وتقديرها والاشتياق إليها‏.‏وضع البرعي بقصيدته هذه في الوجدان السوداني تجاه مصر ـ بغير مبالغة ـ ما لم تستطع كل المؤسسات والأجهزة المصرية أن تفعله علي مدي مئات السنين‏.‏ذهبت لزيارته خلال وجوده بالقاهرة وأجريت معه مقابلة هي الأخيرة تقريبا التي يجريها قبيل وفاته‏,‏ ذهبت إليه مشتاقة لرؤية هذا الرجل الذي يجله كل سوداني‏,‏ وأنا أشعر بأنني وكل مصري مدينون له بما أرساه في الوجدان السوداني من حب مصر التي وصفها في قصيدته الرائعة بالأم‏,‏ يقول عنها‏:‏ مصر أمنا‏.‏
مندوبة الأهرام العربى تحاور الشيخ البرعى
ولهذه القصيدة حكاية‏,‏ فعندما ذهب في شبابه لإجراء جراحة في الخرطوم لاستخراج حصوات من الكلي رأي في منامه أنه زار مصر وطاف بكل أوليائها الصالحين‏,‏ ولما أصبح لإجراء العملية فوجئ الأطباء بأن الحصوات قد تفتت من تلقاء نفسها‏.‏ فكتب الشيخ البرعي رائعته عن مصر وأوليائها الصالحين الذين تعجب الناس من معرفته ووصفه لمزاراتهم قبل أن يراها رأي العين‏.‏كنت أشعر بأنني تأخرت كثيرا قبل أن أقابل هذا الرمز رغم زياراتي العديدة للسودان‏,‏ كنت أنوي في كل مرة زيارته‏,‏ لكن الأحداث المتلاحقة في السودان كانت دوما تحاصرني وتحول بيني وبين هذا الرجل الذي ترك بصماته في كثير من أنحاء السودان‏.‏إن لم يكن بفعله‏,‏ فعبر أفكاره ورؤاه‏,‏ ولما أخبرته بذلك هون علي وقال بطيبة مؤثرة وتواضع جم‏:‏ زيارتك وصلت‏.‏لم يكن شيخا صوفيا عاديا‏,‏ بل كان مجددا‏,‏ وكان مصلحا اجتماعيا من الطراز الأول‏,‏ يقول عنه المؤرخ والكاتب السوداني الدكتور عبدالله حمدنا الله‏:‏ امتلك أفئدة عامة الناس بسهولة ألفاظه وشيوع عباراته‏,‏ وكانت آية العظمة في شخصيته الإنسانية التي تتصف بأسمي خصائص الإنسانية‏,‏ كما كانت أقوي خصائصه العصامية وعدم جموده في قمة باردة‏,‏ لأنه لم ينظر إلي أعلي غرورا‏,‏ وإنما ظل يخفض بصره إلي أدني تواضعا‏.‏ويوضح حمدنا الله‏,‏ بدأ البرعي طريقه في بيت من بيوت الطريقة السمانية‏,‏ لا يتعدي أثره محيطه في بقعة نائية من شمال كردفان‏,‏ لم يسمع بها أحد خارج محيطها‏,‏ فهي ليست جاذبة بثروة ولا جمال‏,‏ وهو ليس من أصحاب الأموال ولا أكبر إخوانه ولا أكثرهم علما ولا أحقهم بخلافة والده‏,‏ لكنه استطاع بعصامية فذة أن يرتفع بخلافته لبيت من بيوت الصوفية إلي أن يكون أشهر رجال الطرق الصوفية في السودان قاطبة‏,‏ وأن يخرج من قرية الزريبة ليكون شخصية قومية يعرفها كل أهل السودان‏.‏ولم يعم الحزن علي الشيخ البرعي السودان وحده‏,‏ بل تعداه إلي خارجه إلي المهاجر والمنافي التي حط فيها السودانيون الرحال‏,‏ وأيضا إلي كل من عرف الشيخ في العالم العربي والإسلامي‏,‏ حيث كان يشارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية‏,‏ وقد عبر السودانيون عن مشاعر الأسي واللوعة التي اجتاحتهم شعرا‏.‏كان شغوفا ببناء المساجد‏,‏ وبني عددا منها في جميع أنحاء السودان‏,‏ وكانت له معرفة كبيرة بالسيرة والفقه واللغة‏,‏ وكانت قصائده تحمل دروسا في السيرة النبوية وتحض الشباب علي العمل والأخلاق‏.‏عرف باهتمامه بالشباب والأيامي‏,‏ وأقام حفلات الزواج الجماعي‏,‏ وظل ينادي بتخفيض المهور ومحاربة العادات الضارة واحترام المرأة وتقديرها‏.‏وقد اقتفي البرعي في حياته نهج آثار أئمة الإسلام المهتدين‏,‏ وقدم نموذجا طيبا لمريديه وأحبائه‏,‏ فاجتذب نحوه الملايين‏,‏ ووصل تأثيره إلي دائرة واسعة عمت أرجاء السودان‏.‏وامتدت بينه وبين فئات المجتمع السوداني قاطبة أقوي وأمتن الصلات‏,‏ قوامها احترام الناس الشديد للشيخ الجليل الذي اجتذبهم بنهجه الوسطي‏,‏ الذي لم يجنح يوما إلي الغلو أو التشنج‏,‏ فنجح في جمع الصف وتوحيد الكلمة‏,‏ وعمد إلي تبسيط شرح تعاليم الدين‏,‏ مقتديا بالقدوة الحسنة للرسول صلي الله عليه وسلم‏.‏وقدم البرعي في حياته المثال الصادق علي إخلاص النية وصدق التوجه وقوة العزيمة يقول عنه الدكتور محيي الدين حسن‏,‏ أحد مريديه‏,‏ كان متواضعا تواضع العلماء الأفذاذ‏,‏ وكانت كرامته في استقامته واهتمامه بالوطن دون انحياز وانشغاله بقضاياه كالسلام ومشاكل الشباب وغلاء المهور وتيسير الزواج وتكريم المرأة ومحاربة العادات الضارة‏.‏جمع البرعي الناس حول كلماته التي قدمها نثرا وشعرا‏,‏ وتميز بقصائده في مدح الرسول التي تناقلتها كل الألسنة في السودان‏.‏لا تخلو قصائده من مدح وإرشاد نحو فعل الخير والتعامل الكريم حتي مع من يعادوننا يقول‏:‏ أحسن فيمن عاداك ومن يحبك‏,‏ وفي معاملة الزوجة يقول‏:‏ مهما دمت لا تظلمها والدين الحنيف علمها‏,‏ ومن نعماك لا تحرمها‏,‏ ارعي حرمتها واكرمها‏.‏وترك تراثا علميا وأدبيا خالدين جسده مسلكه الواقعي‏,‏ وقدم أعظم الدروس في كيفية تعميق أثر التدين في حياة الناس‏,‏ ونذر حياته كلها لفعل الخيرات‏,‏ فأنشأ المساجد وخلاوي القرآن ودور العلم‏,‏ وبذل جهده للصلح بين القبائل والناس وإقامة البني التحتية‏.‏قال عنه الشيخ صادق عبدالماجد‏,‏ المرشد العام للإخوان المسلمين بالسودان‏:‏ إن فقده فقد أمة لأنه لم يكن شخصا واحدا‏,‏ وإذا كانت أعمال الناس تقاس بأعمارهم فقد قدم البرعي أعمالا مضاعفة آلاف المرات‏,‏ وقدم فكرا نظيفا وأنشأ معاهد العلم‏,‏ وقرب الناس من مفهوم الإسلام الصحيح المرتبط بالله ورسوله الكريم‏,‏ الذي أبرزه الشيخ البرعي في صورة حببته إلي جميع الناس وجعلتهم يريدون التقرب منه عن محبة واقتداء‏,‏ لقد كان أستاذا للسودان شيبه وشبابه ومثقفيه وعامته‏.‏
أحد المساجد التى ساهم فى تشييدها البرعى
وعنه قال المفكر السوداني الدكتور حسن مكي‏:‏ دخلت قصائده وأناشيده في كل بيت في السودان‏,‏ ومنحته جامعة الجزيرة وجامعة أم درمان الإسلامية درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم الإسلامية‏,‏ كما أقامت له جامعة إفريقيا العالمية حفلا قدمت له فيه شهادة تقديرية عرفانا وتقديرا لمكانته‏.‏ويوضح مكي‏:‏ جمع البرعي بين الأدب والرزانة ودماثة الخلق والصبر علي الناس والقدرة علي تحمل ضغوطهم‏,‏ وخفف عن كثير من الخلق كثيرا من معاناة هذه الحياة بأشعاره وأعماله واستطاع أن يجدد أرواح الكثيرين ويربطهم برباط الدين‏.‏وقال عنه الكاتب الصحفي السوداني عبداللطيف البوني‏,‏ أسهم الشيخ البرعي في بناء الأمة السودانية وكان رمزا من رموز الوطنية‏.‏لم يكن يتعصب لمذهب أو طريقة‏,‏ يجامل الناس في الأفراح والأتراح‏,‏ ولم يكن يميل إلي السياسة‏,‏ إلا أنه احتفظ بعلاقات وصلات طيبة مع كل الساسة الذين عرفهم‏,‏ وكان يوجد حوله دائما كل ألوان الطيف السياسي‏.‏عرف بحبه الشديد للرسول ومدحه في دواوين شعر منها فتح ذي المعارج في الشعر السوداني الدارج ورياض الجنة ونور الدجنة وله منظومة فقهية عقائدية‏.‏وأغلب المداحين في السودان يترنمون بكلماته‏,‏ وكان ملحنا مجيدا استمد موسيقي ألحانه من البيئة السودانية وإيقاعاتها في سهولة وجمل يستقيها من أساليب الغناء الشعبي السوداني‏.‏كان يصلي خلفه الآلاف يوم الجمعة التي كان يحرص علي الوجود خلالها في الزريبة حتي وإن كان خارج السودان عاد إليها ويتعلم في مؤسسته التعليمية حوالي ألفي طالب من السودان وخارجه وفر لهم سبل الحياة والعلم‏.‏ومن المواقف الطريفة التي تروي عن تأثيره أن تاجر حناء في الخرطوم أراد بيع بضاعته فروج كذبا أن مرضا ما سيصيب الأطفال وأن الشيخ البرعي أوصي بحناء الأطفال‏,‏ فكان أن انتهت كل كميات الحناء من السوق علي الفور‏.‏وقد نعت رئاسة الجمهورية في السودان الشيخ الأجل كما ذهب لعزائه النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان طه وعدد من الوزراء والأمين العام للحزب الحاكم وقيادات الأحزاب المعارضة‏.‏كما نعاه جون جارانج‏,‏ زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان‏,‏ وأوفدت الحركة وفودا للمشاركة في تشييعه‏.‏وقال عنه ياسر عرمان‏,‏ الناطق الرسمي باسم الحركة‏:‏ إن حركته تنظر للشيخ البرعي بتقدير كبير‏,‏ وأن زياراته لمفاوضات السلام في نيفاشا بكينيا كانت دافعا حقيقيا ومعنويا للوصول إلي اتفاقية السلام‏.‏كما نعاه الشيخ يوسف القرضاوي وقال‏:‏ فقدت الأمة الإسلامية شيخا جليلا ورعا يداوي الناس بالعفة والطهارة‏,‏ ذا قلب وروح قوية استطاع أن يؤثر في عشرات الآلاف‏.‏كان الشيء الكبير عنده الوطن‏,‏ ذهب إلي مقر المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية برغم مرضه‏,‏ وقابل جارانج وأعضاء حركته‏,‏ سألته‏:‏ كيف قابلتك قيادات الحركة؟ قال‏:‏ بود وتقدير كبيرين‏,‏ وقد جاء جارانج لزيارتي وبصحبته زوجته السمراء الطويلة‏.‏سألته كيف تنظر لاتفاقيات السلام؟ قال‏:‏ سيكون في السلام خير كثير للسودان‏,‏ سألته‏:‏ يخشي بعض الناس من وصول الحركة الشعبية للحكم ومشاركتها في السلطة‏,‏ كيف تري ذلك؟ أجابني‏:‏ لا داعي للمخاوف‏,‏ هم إخواننا ومشاركتهم ستكون لصالح السودان واستقراره‏.‏وحينما قابله جارانج قال له‏:‏ نحتاج إلي وجودك أطول فترة ممكنة في نيفاشا حتي تلهمنا الصبر والحكمة لحل مشكلات الوطن والتوصل إلي اتفاق السلام‏.‏كانت خلاصة حديث الشيخ البرعي له‏:‏ إن الوطن يسع الجميع‏,‏ كان مهموما بتصعيد الأزمة في دارفور‏,‏ كان يري أن تسليح الشباب بأخلاق الإسلام هي السبيل لصنع وطن أفضل‏.‏يقول عبدالعزيز حسن صالح‏,‏ القنصل السوداني بالقاهرة الذي رافق الشيخ خلال رحلته للعلاج بالقاهرة‏,‏ كان يأسر الناس بتواضعه وحديثه السهل الممتنع وتعبيراته التي تحمل معان كبيرة بأبسط الألفاظ‏.‏كان قلبه ومقره مفتوحين للجميع‏,‏ يروي أن متمردي دارفور اعترضوا بعض مريديه وهم في طريقهم إليه‏,‏ ولما سألوهم عن وجهتهم أخبروهم‏,‏ فأطلقوا سراحهم علي الفور‏,‏ وطلبوا منهم أن يسألوا الشيخ البرعي الدعاء لهم‏,‏ فلما أبلغه مريدوه بسؤال المتمردين دعا لهم بالهداية‏.‏وفي رحلة علاجه الأخيرة في معهد ناصر بالقاهرة قبل توجهه إلي ألمانيا توافدت عليه أعداد كبيرة من السودانيين وأعداد من المصريين لزيارته‏,‏ ومثل ذلك ضغطا علي إدارة المستشفي التي كانت تتنازل فتسمح للمريدين والزوار برؤيته فيستقبلهم بكل بشاشة ويدعو لهم رغم وطأة المرض‏.‏وبعد خروجه من المستشفي توجه إلي منزل السفير السوداني بالقاهرة الدكتور أحمد عبدالحليم حيث أقام فيه‏3‏ أسابيع‏,‏ تحول فيها المنزل من بيت دبلوماسي إلي ما يشبه المسيد وتعني باللهجة السودانية المزار أو الضريح‏,‏ حيث توالت علي المنزل أنماط بشرية عديدة‏,‏ موالون ومعارضون‏,‏ مسئولون رسميون ومواطنون بسطاء‏,‏ كتاب وصحفيون‏,‏ وسط فرحة غامرة من السفير وحرمه وأسرته‏,‏ التي اعتبرت وجود الشيخ وزواره بمنزلهم تشريفا لهم‏.‏وخلال فترة علاجه بمصر وألمانيا وأيضا داخل السودان لم تنقطع اتصالات الرئيس السوداني عمر البشير ووزرائه وقيادات الأحزاب والرموز السودانية للاطمئنان علي صحة الشيخ‏,‏ وحرص الصادق المهدي‏,‏ زعيم حزب الأمة علي زيارته بالمستشفي في القاهرة‏.‏ورغم حبه الكبير لمصر لم ينل حظه في مصر من الذيوع والانتشار فيها علي المستوي الإعلامي‏,‏ وظل معروفا فقط لمن عاش أو اقترب من المصريين من السودان‏.‏ربما لو كان غيره لكان الأمر مختلفا ربما لأنه لم يسع إلي ذلك‏,‏ ولأن أحدا لم يتخيل أن شيخا أو متصوفا يقول شعرا عن مصر بمثل هذا الحب والهيام والرقة‏.‏يقول المثل السوداني‏:‏ يوم شكرك ما ييجي وهو ما يعني لا عجل الله يوم شكرك‏,‏ ويوم الشكر في السودان هو يوم الوفاة لأن المرء عادة لا تذكر مناقبه إلا بعد وفاته‏,‏ وها قد حانت ساعة الشكر في مصر لهذا الشيخ الجليل الذي أحبها حبا عظيما‏,‏ وقدم لها كثيرا‏,‏ ووجب اليوم أن ينال حظه ليس من التكريم فقط‏,‏ وإنما أيضا من التعريف والنشر لأعماله وتسليط الضوء علي مؤلفاته وأفكاره التي تركت أثرا كبيرا في أهل السودان‏,‏ وجعلت الجميع في حالة قرب وجداني وأخوي‏.‏سألته في نهاية حديثي معه الدعاء‏,‏ فدعا لي بالخير وشال لي الفاتحة بتعبير أهل السودان‏,‏ ودعا الله أن يؤلف بين أبناء الوطن الواحد في السودان‏,‏ وأن يوحد الأمة الإسلامية‏.‏واليوم ما أحوج السودانيين وهم يستقبلون مرحلة فاصلة من تاريخهم إلي الحفاظ علي التراث الذي جسده الشيخ البرعي من قيم التسامح والأخلاق الفاضلة وعلي الحفاظ علي إرثه العظيم في عمل الخير والتعايش وقبول بعضهم بعضا والتسامي عن الأحقاد والمرارات والتصافي والمحبة الخالصة والإقبال علي السلام بقلوب مفتوحة‏.‏وما أحوج المسلمين إلي الاقتداء بدعوته الوسطية وتسامحه ونبذه للغلو والتطرف واعتماده الكلمة الحسنة كأسلوب للحوار حتي لا يقعون في الفتن التي أضرت بالمسلمين كثيرا‏.‏رحلة العمر ولد الشيخ عبدالرحيم البرعي عام‏1923‏ في الزريبة في كردفان غرب السودان‏,‏ التي ظلت مقره الدائم طوال حياته‏,‏ وحفظ القرآن بمسجد والده وتلقي عنه العلم‏,‏ وكان يخرج منها ويعود إليها‏,‏ وكان له أربعة أخوات‏,‏ أحدهم تخرج في الأزهر الشريف‏,‏ و‏14‏ أختا‏,‏ منهم سارة التي ولاها تعليم النساء في مسجده‏.‏وقد تزوج الشيخ‏6‏ مرات‏,‏ صاهر فيها عدة قبائل‏,‏ وله من الأبناء‏24‏ من الذكور‏,‏ و‏17‏ من الإناث‏.‏ وتوفي له‏3‏ أبناء أخيرا‏,‏ فصبرا علي فقدهم‏,‏ وكان صبره علي مصابه مضربا للأمثال‏.‏شيوعيون في الطرق الصوفيةبدأت أعداد كبيرة من الشيوعيين في السودان في السنوات الأخيرة بالانضمام إلي الطرق الصوفية‏,‏ وجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي السوداني كان من أقوي الأحزاب الشيوعية في العالم وأكثرها قدرة علي التأثير وشارك بفاعلية في صياغة الحياة السياسية السودانية‏.‏ربما تكون عودة هؤلاء الشيوعيين إلي الطرق الصوفية بعد الماركسية هي عودة لأقرب شكل للتدين‏,‏ أو تعبير عن الشخصية السودانية التي لا تنفصل عن التدين السوداني الصوفي مهما اعتنقت من مذاهب سياسية‏.‏أو قد تكون محاولة للبحث عن البديل في مواجهة الإسلام السياسي الذي تمثل في حكم الإنقاذ للسودان منذ عام‏.1989‏ورغم ما يحمله الأمر من إيجابيات إلا أنه يعكس في نظر البعض محاولة لتسييس الطرق الصوفية‏,‏ يحمل مخاطر شتي‏,‏ لأن تلك الطرق كانت أحد عوامل وحدة السودان لمئات السنين‏,‏ حينما كانت بمعزل عن السياسة‏,‏ رغم محاولة بعض السياسيين استخدامها لصالحهم‏.‏جارانج يغازل الصوفيةيوما بعد آخر يثبت جون جارانج زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان أنه سياسي محنك ولاعب مقتدر في الساحة السودانية‏,‏ فنطاق تحالفاته واتصالاته يتسع يوما بعد يوم‏,‏ لا يستثني منه أحدا‏,‏ حتي الطرق الصوفية ورجالاتها اتصل بعدد منهم وأبلغهم احترامه وتقديره لدورهم في السودان ولمذاهبهم الصوفية التي تقوم علي التعايش والتسامح‏,‏ وأخبرهم بأنه لا يمانع في وجودهم في الجنوب لنشر طرقهم‏.‏الإسلام الصوفي قادم إلي الغرببعد‏15‏ عاما من حكم الإنقاذ في السودان‏,‏ التي عبرت عن مشرع للإسلام السياسي‏,‏ وجهت له العديد من الانتقادات لن يتواري الإسلام تماما في السودان‏,‏ فلايزال هناك إسلام آخر صوفي أمامه فرصة للبقاء والاستمرار‏.‏وفي الغرب أصبحت الصوفية منهجا يجتذب الناس للإسلام‏,‏ يقول الدكتور عبدالمعز أبونورة‏,‏ أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الدراسات الإفريقية في جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة نشأت امتدادات للطرق الصوفية في الولايات المتحدة وأوروبا‏,‏ وهي امتدادات تماثل الطرق الموجودة في آسيا وإفريقيا‏,‏ فهناك امتدادات للطرق النقشبندية الموجودة في تركيا والعراق والنقشتية في الهند وباكستان وبنجلاديش والمولودية في تركيا‏,‏ والمريدية في وسط وغرب إفريقيا‏.‏ويضيف‏:‏ وإلي جانب ذلك نشأت مجموعات صوفية أخري عالمية تضم عددا من الأمريكيين‏,‏ جزء منهم لا يعتبرون أنفسهم مسلمين‏,‏ لكنهم مع ذلك يلتزمون بالمفاهيم الصوفية الأساسية‏,‏ ومرجعيتهم هي تراث ابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهما من أئمة الصوفية‏.‏ويعتبر هؤلاء الطرق الصوفية مفتوحة للمسلم وغير المسلم وتوحد بين جميع

Saturday, July 09, 2005

تنصيب قرنق نائبا اول لرئيس الجمهورية في السودان

تنصيب قرنق نائبا اول لرئيس الجمهورية في السودان ادى زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق اليوم السبت اليمين الدستورية نائبا اولا لرئيس الجمهورية، وذلك تنفيذا لاتفاق السلام الذي وضع حدا لحرب اهلية طاحنة دامت عقدين من الزمن. كما سيدخل يوم السبت حيز التنفيذ الدستور السوداني الانتقالي الجديد الذي يمنح الجنوب حكما ذاتيا، اضافة الى منحه الحركة الشعبية مناصب وزارية مهمة في الحكومة المركزية. فقد وقع الرئيس عمر البشير في الحفل الذي اقيم في العاصمة الخرطوم الدستور الجديد، وقام بعدها باداء اليمين الدستورية كرئيس للبلاد. ومن المقرر ان يجري تشكيل حكومة ائتلافية جديدة في الشهر المقبل. وكان قرنق قد وصل الى الخرطوم يوم امس الجمعة وذلك للمرة الاولى منذ 22 عاما. وقد خرج مئات الالوف لاستقباله. وبموجب اتفاق السلام، سيحصل حزب المؤتمر الحاكم على 52 في المئة من المقاعد البرلمانية والوزارية، بينما ستحصل الحركة الشعبية على 28 في المئة والاحزاب المعارضة الشمالية والجنوبية الاخرى على 20 في المئة. هذا وحضر كل من كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة وثابو امبيكي رئيس جمهورية جنوب افريقيا حفل تنصيب قرنق والتوقيع على الدستور الانتقالي. وكان مجلس الشعب السوداني قد اقر في وقت سابق من الاسبوع الحالي نص الدستور الانتقالي الذي ستقسم بموجبه ثروة البلاد النفطية بين الجنوب والشمال. كما ينص الدستور الجديد على عدم تطبيق الشريعة الاسلامية في الجنوب. وبموجب الدستور، سيستفتى الجنوبيون بعد ست سنوات حول ما اذا كانوا يرغبون بالانفصال عن السودان. المصدر: بي بي سي عربي_________________رجا العباسي

وصول قرنق اخرطوم



REBEL LEADER RETURNS TO MASSIVE WELCOME AFTER TWO-DECADE ABSENCE

ASSOCIATED PRESS July 08, 2005 KHARTOUM, Sudan (AP) - Ex-rebel leader John Garang made a triumphant return to Khartoum on Friday, greeted as a brother by the president and as a pop star by hundreds of thousands of supporters hopeful for a new era after Africa's longest civil war. His arrival on a scorching summer's day was a landmark step in a U.S.-backed January peace deal that requires Sudan's Muslim-dominated northern-based regime to share power and wealth with long-marginalized southerners. Garang was to be sworn in to the government's second-most powerful post Saturday. A red carpet greeting at Khartoum's airport was followed by an official welcoming reception during which President Omar el-Bashir held his former enemy's hand in the air and repeatedly called him "our brother." "You will find the hearts of all Sudanese open to you," el-Bashir promised. "This war has stopped finally and forever." A smiling Garang was interrupted by ululating women and shouts of "Allahu akbar," or God is great, and "Hallelujah" as he told the nearly 400 guests under a large tent at the ruling party headquarters that he was home among his people. "I congratulate the Sudanese people, this is not my peace or the peace of el-Bashir, it is the peace of the Sudanese people," Garang said. Garang, a burly, bearded warrior from southern Sudan's large Dinka tribe, was a key partner in peace negotiations that resulted in January's agreement. The deal ended the 21-year civil war that left more than 2 million dead, mostly through war-induced famine. Many in Khartoum welcomed Garang's arrival as a prelude to better times and an end to long years of fighting. A new government was to be installed in August, giving hope for many of a better life in Africa's largest country. In a sign of unity, Friday's security arrangements were shared by the Sudanese Army and Garang's Sudan People's Liberation Army, which both guarded roadways and the perimeter of the city's Green Square, where Garang made an appearance. Secret service units blended into the massive crowd. Hundreds of thousands of people - mainly Sudanese from the country's southern and western regions - who had been waiting up to six hours under blistering sunshine for Garang's arrival screamed with joy when he stepped onto a stage. Garang waved and blew kisses, each one greeted with roars of approval by the throng that pressed closer to get a view. It was impossible to estimate the crowd's size. The square was made to accommodate half a million people, and the crush of people stretched out from the stage to the far end of the square. "It's a day of merriment, a day of joy," grinned Marina Lako, 32. "The fact that Garang has come means to us the war has stopped. We as women, we lost many of our beloved ones. So the end of the war means a lot to us. This is the day of the people." Many waved flags and wore pins in the black, white, red and green of the SPLA. Banners proclaimed "Peace for Darfur" - a region wrought by more than two years of conflict in Sudan's west - and welcome messages for Garang. Tribal dancers and singers entertained the crowd before his arrival. People scrambled on top of buildings to catch a glimpse of Garang. Some who tried to climb trees crashed to the ground when branches broke. Many fainted from the heat and excitement. "This is an unbelievable gathering, an unimaginable thing," said northerner Salah Abdullah, a government employee. Garang had been scheduled to give a speech but the pressing crowd caused security officials to pull him away after barely 15 minutes. His military band stayed behind, however, and many in the crowd danced and celebrated longer. Security was to remain tight through Saturday when Garang will be inaugurated as first vice president, and the U.S. Embassy warned Americans to be careful. The two leaders also were expected to sign a new constitution allowing greater human rights and freedoms. ©Tyler Morning Telegraph 2005

FROM SHRO-Cairo

FROM SHRO-Cairo
July 9th, 2005

SHRO-Cairo shares with the People of Sudan and all peace-loving peoples throughout the world the happiness of peace and the political opportunities now available to complete all necessary steps to make of the Naivasha Peace Agreements a real comprehensive peace for all people of the Sudan.

The Organization looks with satisfaction to the inclusion of important instruments of the international human rights norms in the Interim Constitution. Specific inclusion of the Agreement Against Torture, the Agreement Against All Forms of Discrimination Against Women, among others, is still required.

The Organization’s position on the full establishment of the permanent and just peace is clearly included in its document (see SHRO-Cairo Position on Sudan Peace Deal and Constitutional Panel: May 27th, 2005 in shro-Cairo.org). SHRO-Cairo position on the transitional rule, which formally started today, Saturday the 9th of July, 2005, is herein reiterated as previously released on January 9, 2005.


Press Release

Toward a Successful Transitional Rule:

Free Human Rights Federation; Independent Judicial Commissions; and Socio-Economic Development versus Presidential Dictates and Security Spending


Sunday: January 9, 2005: The Sudan Human Rights Organization Cairo Office congratulates the People of Sudan in the South and in the North, the Mother Continent of Africa, and the whole International Community with the signing of the Naivasha Peace Agreements, which completed a historic formal ending of the North-South disasters of war by internationally-recognized treaty guarantees aimed to satisfy the yearning of our people for the achievement of the just peace, the sustainable development, and the regular democracy.

In this grand occasion, SHRO-Cairo hopes that the two Peace Partners, the National Congress Party and the Sudan People’s Liberation Movement, would successfully accomplish the peace obligations conferred upon them by agreement, and the promise they both pledged to promote the Naivasha Accords to a nationally recognized consensus that should extend, on equal terms, the just and permanent peace, power sharing, and participation in national decision making to the other marginal regions, especially Darfur, the Nuba Mountains, Eastern Sudan, and the Northern Provinces as well.

The Organization reiterates the grave national, regional, and international concerns for the worsening conditions of the displaced people of Darfur and the escalated violence in the region; henceforth, the possibility of “taking a swift action” in the words of the United Nations Secretary General (January 8, 2005) to redress the situation. At this point, SHRO-Cairo emphasizes the Sudanese Appeal to the World on the Human Crisis of Darfur, which held the Khartoum Government “squarely responsible for the crisis,” and calls upon the International Community to work closely with the People of Sudan to end the crisis via a national constitutional conference.

The Organization emphasizes, in particular, the urgent need to ensure non-discriminatory representation of all political parties and civil society groups in the next Committee on the Interim Constitution. Most importantly, the committee in question should exercise firm consideration of all international human rights charters and conventions, as well as the Sudanese legal heritage and social realities, to democratize, with the peace spirit of the Naivasha agreements, the repressive law arsenal of the government in order to ensure the full enjoyment of human rights and public freedoms to all citizens, irrespective of faith, political stand, social status, or any other discriminatory criteria.

Specifically, the Committee should carefully consider clear provisions by constitutional law for accountability of authority abuses, as well as principled abrogation of all forms of physical punishment in the criminal law; the provisions against women’s rights in the family law and other legal acts; the heavy taxation policies; the state-imposed unevenly distributed zakah [alms giving]; and the other authoritative orientations that have been inflicted upon the public by the State media and press in 15 consecutive years of anti-democratic rule.

SHRO-Cairo is deeply concerned about the powers bestowed on the President to establish judicial bodies and a national human rights commission in consultation with the First Vice President, according to the Implementation Modalities of the Protocol on Power sharing, as adopted by agreement. The Organization is seriously concerned for the possibilities of executive and legislative intrusions in the Interim Period against independence of the Judiciary in light of the government’s purge of judges and the other unresolved injustices of the Sudanese criminal justice system.

The Organization hopes the next South and North Interim Governments would strongly maintain the Independence of the Judiciary, as a cornerstone of democratic rule. Besides the need to implement laws based on international human rights laws and the best of Sudan laws, Sudan courts must be strictly independent from the Executive. The Judiciary should be fully allowable to select its own governing councils, as well as the management of its legal and administrative affairs by judicial jurisdiction, free of presidential dictates or legislative interference.

Because the full enjoyment of civil freedoms and human rights is the strongest guarantee of a lasting peace and effective rule of law all over the country, the Organization urges the governing partners of the National Congress Party and the Sudan People’s Liberation Movement to act in the best interest of the Naivasha Peace Protocols to protect the untouchable right of civil society groups to establish their own Federation of Human Rights, as well as other human rights assemblies, free of any government intrusion or security orientation - let alone a presidential state-imposed commission - in accordance with the International Agreement on Civil and Political Rights to which Sudan is party.

SHRO-Cairo emphasizes further, the need to spend the oil wealth and other state revenues to increase the social and economic development of the Nation in order to fulfill the social and economic rights of people, as guaranteed by international norms. For this purpose, the already proposed enlarged military and security spending in the State Budget under the renewed emergency law should be effectively reduced.

Towards the achievement of this important end, the governing bodies of the country, as would be established according to the Accords, must reserve the largest share of the State financial resources in the post-conflict period for the necessary spending on social development (health, education, housing, and culture) programs side-by-side with the encouragement of local and foreign investments to generate the vital productive components of labor and employment, absorb the returnee citizens in decent conditions into their homelands, and reinstate the unfairly dismissed public service workers and/or employees throughout the last 15 years of anti-democratic rule to man, with the available working force, the Nation’s development in the Peace Era.

أكثر من مليون سوداني يستقبلون قرنق حبا في السلام


الصفحة الرئيسية
:
عربي
أكثر من مليون سوداني يستقبلون قرنق حبا في السلام
ملايين السودانيين يأملون بسلام دائم بعد 22 عاما من الحرب (الفرنسية)

عماد عبدالهادى- الخرطوم

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم ولأول مرة منذ نحو 20 عاما بعد انتفاضة أبريل/ نيسان 1985 التى أطاحت بحكومة الرئيس الأسبق جعفر نميرى حشودا وكتلا بشرية قدرت بنحو مليون ونصف المليون شخص جاؤوا لاستقبال زعيم الحركة الشعبية جون قرنق فرحا بالسلام، وذلك لدى وصوله للخرطوم بعد غياب دام أكثر من 20 عاما.

واحتشد المواطنون منذ الصباح الباكر حول مطار الخرطوم الذى منعوا من دخوله وداخل وحول الساحة الخضراء التى عجزت عن استقبال كل العدد الهائل للمواطنين الذين خرجوا لاستقبال قرنق.

وردد المواطنون هتافات مرحبة بالسودان الجديد شملت (مرحب مرحب بالسودان الجديد) (لا تهميش بعد اليوم).

وحاول قرنق مخاطبة الجماهير بعد تزاحم مثير حول المنصة التى خصصت لذلك، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الصبية والنساء نتيجة للتدافع الذى لم يمكن غالب الأجهزة الإعلامية وبعضا من الوزراء والدبلوماسيين من الوصول إلى ساحة الحفل.

ووعد الرئيس البشير في كلمته بمقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم عند لقائه قرنق بتحقيق السلام في دارفور وشرق البلاد، معتبرا أن عودة قرنق نهاية لكل مشاكل السودان.

وقال إن السلام سيعم جميع أنحاء السودان "وسنقدم نموذجا للحكم الراشد حكما يختلف عن كل الفترات السابقة حزبية كانت أم شمولية" وتابع البشير "سنتعاون جميعا ونتحد لنعوض أهل السودان كل ما فقدوه في الـ50 سنة الماضية".

وأكد أنه سيبذل جهدا مشتركا مع قرنق لبناء السودان شمالا وجنوبا، وقال "سنقدم نموذجا لكل أفريقيا ولكل محبي السلام بأننا نحن أهل السودان قادرون على التجاوز ونسيان الماضى بكل مراراته ونتطلع للمستقبل بكل إشراقاته".


قرنق: جئت لنعمل سويا لنبني السودان (الفرنسية)
بين إخوتي وأخواتيفي ما قال رئيس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق الذى سيصبح نائبا أول لرئيس الجمهورية منذ غد إن السلام الذى تحقق هو سلام لجميع أهل السودان.

وأكد أنه وسط إخوته وأخواته وأنه لم يعد إلى السودان بل عاد إلى الخرطوم من داخل السودان وردد هتافات تقول (لا جنوب بلا شمال ولا شمال بلا جنوب)

وقال هذا الكلام صحيح لأننى الآن أقف مع الرئيس البشير أمامكم للتحية. ووعد بأن يشمل السلام جميع أنحاء السودان، وقال "جئت لنعمل سويا، نضع أيدينا فوق أيدى بعض لنبنى السودان وننقله نقلة حقيقية لوضع جديد يكون نموذجا للتاريخ الحديث في المنطقة الأفريقية وفي العالم".
_________________مراسل الجزيرة نت
المصدر:
الجزيرة

Friday, July 08, 2005

منزل الزبير لقرنق و على عثمان يخلى مكتبه لقرنق و معاونيه

منزل الزبير لقرنق و على عثمان يخلى مكتبه لقرنق و معاونيه دينق ألور وباقان وجيمي واني وصمويل آيو جون و ياسر عرمان وزراء للحركة 7-7:
هيأت الحكومة بعد مشاورات مع الفريق المكلف من قيادة الحركة ، مقر إقامة جون قرنق الذي سيصل البلاد غدا لتولي مهامه نائبا اول و تم تخصيص المنزل الذي كان يقيم فيه الشهيد الزبير محمد صالح بحي المطار في الخرطوم كمقر لإقامة قرنق ، الذي كان قد رفض ومعاونوه الاقامة بمنزل النائب الاول على عثمان محمد طه بحي كوبر بالخرطوم بحري ..و تم استجلاب كامل اثاثه من دولة الامارات العربية عبر طائرة خاصة قبل ايام .و سيقيم ليوم واحد في فندق هيلتون ريثما تكتمل مراسم ادائه القسم نائبا اول للرئيس.وانهت رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء تحضيراتهما لتسلم قرنق مهامه الرسمية ، حيث اخلي طه مكتبه بالقصر الجمهوري ومكاتب طاقمه المعاون للنائب الاول الجديد ومعاونيه.أما اجراءات التأمين والحراسة اكتملت بدقة ، حيث خصصت لقرنق سيارتان مصفحتان، وتم تنسيق كامل بين القوات المسلحة والجيش الشعبي للحراسة الشخصية، حيث ان الحرس الرئاسي للرئيس ونوابه دائما من اختصاص الجيشويتوقع أن يتم ترشيح كل من دينق ألور والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي باقان أموم والأمين العام للحركة جيمي واني رايقا والقائد صمويل آيو جون والناطق الرسمي باسم الحركة ياسر عرمان للوزارات الرئيسية الممنوحة. وقد تسلم مندوبون عن الحركة الشعبية خلال الأسبوع الحالي والمنصرم كل المواقع التي سيشغلها الوزراء والمسؤولون الجدد.

Wednesday, July 06, 2005

Fifty Years After Independence


"Fifty Years After Independence: Sudan's
Quest for Peace, Stability and Identity"
7th International Sudan Studies Conference
April 6th - 8th, 2006
University of Bergen
Bergen, Norway
Organised by: University of Bergen, SSA and SSSUK
www.sudan2006.org
Call for Papers
Throughout most of its fifty years of independence, Sudan has faced continuous wars
caused by a multitude of reasons ranging from religious and ethnic differences to
economic marginalisation. As the current peace process may give hope to the South,
the people of Darfur and Eastern Sudan continue to suffer. Addressing the historic
root causes of the conflict is an ongoing process. The recently negotiated peace
agreement for the South has far-reaching implications for the future. Sudanese and
foreigners interested in Sudan are continually seeking ways to understand the issues
involved, their complex relations, catalysts for improvement, and conditions for
peaceful co-existence.
The organisers of the 7 th International Sudan Studies Conference seek proposals that
address various issues related to the quest for peace, stability, reconstruction and the
identity of the peoples of Sudan in both contemporary and historical perspective. The
role of an independent judicial system, individual liberties, democracy and free press
in making and safeguarding peace are some of the themes the conference wishes to
address.
Papers addressing issues such as the role of women, environment, education, health
services, AIDS, history, archaeology, cultural diversity, Sudanese arts, Sudanese
religions, Sudanese languages, and their interaction with peace and stability are
especially welcome. Also papers addressing the role of the international community
and donors in preserving peace and rebuilding Southern Sudan and other war-ravaged
parts of the country are encouraged.
Papers are welcome from both Sudanese and non-Sudanese whether they are
academics or non-academics.
To send abstracts:
Email to: abstracts@sudan2006.org
Fax to: Prof Anders Bjørkelo on 00 47 55 58 98 91
Post to: Prof Anders Bjørkelo, Historisk institutt, HF-bygget,
Sydnespl. 7, 5007 Bergen, Norway
Deadline for abstracts: 30th September 2005

Tuesday, July 05, 2005

حول زيارة نقد للترابى

سبق لنا القول، وفى اكثر من مناسبة، ان اكبر خطأ نرتكبه فى حق انفسنا، وفى حق
الشعب من حولنا، هو اننا نمارس السياسة، بقوانين المصارعة!! وليس بقوانين السياسة كما ينبغى.
ومن بديهيات عملنا السياسى، ان نكون مبدئيين فى طرحنا، وفى حياتنا، ويوم نبعث احياء.
تلك المبدئية - صعبة الانبلاع عند الكثيرين - نظل نستمسك بأهدابها حتى النهاية،. ومهما كانت بهاظة الثمن الذى علينا ان ندفعه. هذا خيارنا، الذى اخترناه بمحض ارادتنا، وعلينا ان نتحمل تبعاته، مهما كانت علقمية الطعم،. لانزايد عليها، ولا نكسب من ورائها، الا احترام الناس لنا.

طفت فى منتديات الناس، وعلى صفحات الانترنت، وفى بعض الصحف السيارة، تساؤلات. بعضها حاديه الدهشة، وسوء الفهم. وبعضها الاخر مبتغاه النكاية، وتعكير الامواه، واثارة الغبار، وربما اشعال النار - لمن استطاع اليها سبيلا- حول زيارة الاستاذ محمد ابراهيم نقد للترابى، بمناسبة اطلاق سراح الاخير، بل وقد تنزَّل الاندهاش، حتى من بين ثنايا (ونسات) بعض الشيوعيين، اعضاء الحزب انفسهم. وقد سبق لنفس التساؤلات ان طفت فترة فوق السطح، يوم ان قام يوسف حسين، وكمال الجزولى، وفاروق كدودة، مبعوثين من الحزب، بزيارة مماثلة لنفس الرجل حين اطلق سراحة اول مرة. وكان المأمول من اجهزة اعلام الحزب ان تضع النقاط فوق الحروف، ليستبين الناس خيطهم الابيض من خيوط الظلام السياسى. ولكن لسبب لا اعرفه صمت اعلام الحزب وصحافته ولسان حالهم يقول ( لانفسر الماء بعد جهد بالماء) باعتبار ان ما حدث، هو مما يعرف عن السياسة بالضرورة. وكان ذلك فى وقته مما نحسب انه خطأ منهجى.

الحزب الشيوعى، ومنذ انشائه، ظل منشغلا بحرب البسوس الازلية والتى اشتعلت فى رداء السياسة السودانية منذ فجر الاستقلال الباكر، بين تيار ينتهج الديموقراطية طريقا وحيدا لتمكين الجماهير من اخذ امورها بيدها، وتيار يرى اختصار الطريق على الناس وركوب مراكب الشمولية عسى ان يبعث الله فينا ديكتاتورا عادلا يملأ الارض خيرا ونماء وازدهار!!! ومن نافلة القول ان تيار الاغلبية داخل الحزب قد حسم معركته الداخلية لصالح تيار الخيار الاكثر معقولية ومنطقية وكان ان شارك الحزب الشيوعى فى كافة الديموقراطيات – على قلتها وقصرها – بهمة ونشاط نجح هنا وفشل هناك ادخل نائبا الى البرلمان مرة واحدى عشر كوكبا مرة اخرى ونائبين مرة وثلاثة مرة اخيرة – وليست آخرة ، وهكذا يقع ويقوم على هدى برنامج انتخابى صار الى ثبات اكثر، ومنهجية سياسية صارت الى رسوخ فى اذهان الناس اعمق.

وفقا لمنهجية الحزب ومبدئيته فى التعامل مع قضايا الناس، كانت دعوته الصادقة الى اطلاق سراح المعتقلين السياسيين او تقديمهم الى محاكم عادلة. بل ودعا الى عدم اعتقال الناس اصلا لاغراض سياسية. ومن ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون تتم مقاضاته امام قضائه الطبيعى، العادل.

فى الجانب الاخر من النهر كان يقف حسن الترابى وتياره الشمولى الاقصائى. يسعى ويدعو سرا وعلانية الى اعتقال الناس وتعذيبهم وتشريدهم وملاحقتهم ونفيهم بل وقتلهم فى كثير من الحالات اذا كان مستوى تفكيرهم يختلف عن مستوى التفكير الآحادى مما يقود الى تكفيرهم وبالتالى استباحة كل مايتعلق بحيواتهم فيصير دمهم ومالهم وعرضهم حلالا على اكلة السحت ومبدلى كلمات الله وفقا للهوى الشخصى والمزاج الحاكم تحت ابواب ماعرف عند تجار الدين بفقه الضرورة.

انحاز قسم من الناس الى هذا التيار وفضلت الغالبية التيار الاخر الاكثر ضمانا لديموقراطية مستدامة ومن ثم امان وسلام للبدن والعقل والمال والولد. ولاينكر الا مكابر ان الحزب الشيوعى كان من اكثر الاصوات علوا فى هكذا دعوة. ظل يرصد لها الكادر خلف الكادر والبيان يتلو البيان، يحشد الجماهير حول دعوته ويبشر بها بين قيادات الاحزاب ويستقطب لها الدعم، المحلى والاقليمى والدولى، فى همة لاتفتر.

الفرق الجوهرى بين التيارين هو ان تيار الديموقراطية يفصل بين الامور فصلا قياسيا !! مفضلا سيادة حكم القانون على البلطجة التى يتخذها الشموليين اسلوب عمل بديل عن القانون.
ولايختلف اثنان فى ان الديموقراطيين والشيوعيين لديهم اتهامات موثقة وبشهادة عدول ضد اقطاب الشمولية وسدنتها بدء من عمر البشير وليس انتهاء بحسن الترابى!! وسيتم الاحتكام الى القانون والقضاء، المكان الطبيعى لمحاسبة المجرمين. وليس من مصلحة الديموقراطية محاكمة الناس خارج القانون وعلى صفحات الجرايد وفى المنتديات،. هذا بالضبط مايريدة الشموليون!! ليعلنوا عندها افلاسنا السياسى، وسقوط دعوتنا بالضربة القاضية امام فكر ومنهج الشمولية ذاته.

ظل، ولايزال اطلاق سراح اى مواطن هو انتصار لدعوة التيار الديموقراطى، والذى يقف الحزب الشيوعى فى قلبه. وكان ولايزال اعتقال اى مواطن هو انتصار لقوى الشر المتمثلة فى تيار الشمولية والاقصاء. وعلى ارضية هكذا فهم جاءت زيارة قياديى الحزب الشيوعى لحسن الترابى حين اطلق سراحه فى المرة الاولى وعلى نفس الارضية، تجئ زيارة محمد ابراهيم نقد للرجل، تأكيدا لانتصارنا على فكره وممارسته!! واعلانا عن ان دعوتنا ليست قميصا نخلعه ساعة نشاء!! وانما هى جزء صميم من جلودنا لايمكن الانفصال عنها الا اذا قررنا الانفصال عن الحياة نفسها.

عبد المنعم الجزولى

تقرير: أبو زيد صبي كلو الصحافة 2-7:
تتواصل هذه الايام مساعي الكثيرين من شاغلي المناصب الدستورية الحالية البالغ عددها «414» منصباً دستورياً يشغله 36 وزيراً مركزياً ومساعداً لرئيس الجمهورية و6 مستشاراً رئاسياً و34 وزير دولة و26 والياً و156 وزيراً ولائياً و18 مستشاراً ولائياً واكثر من مائة معتمد تتواصل مساعيهم لحجز مقاعد لهم في قطار حكومة الوحدة الوطنية المنتظر تشكيلها في غضون الشهر الجاري ويواجه هؤلاء المتطلعون من منسوبي المؤتمر الوطني واحزاب البرنامج الوطني وجنوبيي الداخل صعوبات جمة في سبيل الحصول على بطاقات الصعود الى قطار السلطة لان اغلب هؤلاء الساعين إلى السلطة لا يملكون إلا القليل من المدخرات والمؤهلات السياسية التي لا تتيح فرص حجز مقاعد لهم في القطار او حتى التسوق في سوق الساحة السياسية المقبلة وفقاً للمواصفات التي حددها الرئيس البشير وتتطلبها طبيعة المرحلة القادمة.* ولتخطي طابور من يملكون مدخرات سياسية جيدة تؤهلهم كلاعبين جدد في الدخول في مزاد السلطة المقبلة لتجاوز اجراءات العطاء المعلن يحاول اولئك المتطلعون استخدام عملة الولاء وسلاح الموازنات الحزبية الجهوية والقبلية وذلك بجلب وحشد قبائلهم وعشائرهم من كل فج عميق وتحريك مشائخهم وانسابهم واصهارهم حتى سدوا بها ابواب المتنفذين من المسؤولين وضاقت بهم فنادق وبنسيونات الخرطوم.ويبدو ان العلة ليست فيمن تبؤوا تلك المواقع في غفلة من الزمان ويحاولون الكرة وانما في الاساليب والطرق التي اوصلتهم الى دست السلطة ويحاول الحزب الحاكم او متخذو القرار تفاديها او التنصل منها تحت لافتات وشعارات المرحلة الجديدة ولكن ليس هنالك متسع من الوقت لغسل او طرد تلك العملة او ابدالها بعملة جيدة لانه لم يعد هناك شبر في جسم منسوبي المؤتمر الوطني إلا وفيه طعنة من رمح الولاء والمحسوبية وسهم القبلية والجهوية.وقد بدأ اوار تعيينات شاغلي المناصب الدستورية يشتعل داخل الحزب الحاكم في المركز والولايات وان ما يدور داخل الغرف المغلقة وخلف الكواليس اشبه بالحملة الانتخابية ولكن داخل البيت الواحد تستخدم فيها كل المعاول المشروعة وغير المشروعة في سبيل الفوز بمقعد وزاري في المرحلة المقبلة وتقاطعت الرؤى حول مواصفات ومعايير الشخص او المسؤول الذي يتبوأ المقعد الوزاري في الحكومة المقبلة وكيفية اختياره وفي هذا الشأن قطع رئيس الجمهورية المشير البشير في حوار له مع الزميلة الرأي العام بأن معايير اختيار شاغلي المناصب السيادية هي الكفاءة والقدرة على العطاء والانجاز والايمان بالمتغيرات السياسية والمفاهيم الديمقراطية وذهب آخرون من قيادات الحزب الحاكم إلى أن المعايير والمواصفات التي ينبغي توفرها في اختيار شاغلي المناصب الدستورية ليس من بينها القدرة على المناورة والزعامة السياسية وانما التفاني والمراس في خدمة الشعب من خلال تحسين اوضاعهم المعيشية واعادة البناء والحكم الراشد ومصلحة الشعب والرؤية الثاقبة والخيال البناء.وزير العلاقات الخارجية بالمجلس الوطني والناطق الرسمي باسم الحكومة عبد الباسط سبدرات كمايرى بأن الوقت قد حان لافساح المجال للشخص الذي يتمتع بالكفاءة في المرحلة المقبلة ويرى رئيس تحرير صحيفة «الخرطوم» فضل الله محمد بإن القسمة المسبقة يجب ان لا تحول دون التدقيق في اختيار شاغلي المقاعد الوزارية بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب وان لا تؤثر عوامل التمثيل المتوازن للجهات والقطاعات والولاءات في اختيار الشخص وقال انه يأمل ان يرى في لائحة الوزراء اسماء وعناصر اكثر كفاءة وصلابة وخبرة.رئيس العلاقات الخارجية بالمجلس الوطني واحد ابناء المناطق الاكثر تأثراً بالنزاعات والقبليات الدكتور التجاني مصطفى يعتقد بأن الكفاءات من أهل التخصصات أكثر دراية ووعياً بطبيعة المرحلة المقبلة وبالتالي هم افضل العناصر لشغل المناصب في المرحلة المقبلة ويرى بأن الركون الى مربع الجهويات والقبليات والاثنيات اقعدت بكثير من الولايات لا سيما ولايات دارفور ونبه الى ضرورة الاستفادة من تلك الدروس والعبر والتجربة السابقة.نقيب المحامين عضو المجلس الوطني الاستاذ فتحي خليل يرى بأن المعايير والمواصفات التي يجب ان تتوفر في شاغلي المناصب الدستورية في المرحلة المقبلة بجانب الكفاءة والقدرات تقديم العمل العام على الخاص أي التجرد والولاء للوطن وان يكون رحب الصدر ذو علاقات وصلات مقدرة في المجال الذي يشغله مقبولاً من القواعد وقال بأن الاختيار يجب ان يتم عبر المؤسسات سواء كانت الحزبية او السياسية او الاتحادية او الولائية ويرى عضو المجلس الوطني اوغسطينو اريمو رئيس دائرة الجنوب السابق بأن اهم مواصفات ومعايير شاغلي المناصب في المرحلة المقبلة هي الانتماء والولاء للوطن وقبول الآخر للرأي من مفاهيم ومباديء الديمقراطية وحق الحياة الكريمة ومراعاة الشأن الاقتصادي وتوفير الخدمات بغية تحقيق الامن والاستقرار والوحدة ويرى اريمو ايضاً بضرورة توفر عناصر وصفات القيادة والكفاءة والقبول في رجل المرحلة المقبلة.عضو المجلس الوطني ومجلس قيادة الثورة السابق اللواء (م) ابراهيم نايل ايدام يرى بأن شاغل المنصب الدستوري في المرحلة المقبلة يجب ان يكون قومياً ومتخصصاً « تكنوقراطياً » وليس سياسياً ويقول ايدام بأنه من انصار مراعاة التمثيل المتوازن للجهات والقطاعات وتقديم القوى الأمين .أما ناظر عموم قبائل الهدندوة وعضو المجلس الوطني محمد أحمد الامين ترك يعتقد بأن الوطن أمانة وليس تشريفاً أو مساومات سياسية او جهوية او قبلية ويعتقد ترك بأن ليس كل متعلم أو ذو كفاءة متجرداً او اميناً وبالتالي يرى بأن اهم مواصفات ومعايير شاغلي المناصب الدستورية في المرحلة المقبلة الورع والتقوى والتجرد ودعا متخذي القرار والحزب الحاكم إلى الابتعاد عن العاطفة في اختيار المسؤولين وافساح الطريق امام الآخرين بمغادرة المسؤولين مواقعهم طواعية ويرى ترك بأن دائرة اختيار المسؤولين يجب ان يكون في اطار ضيق حصره في رئيس الجمهورية ونائبه وامين المؤتمر الوطني وبعض الخبراء وان لا يخضع الاختيارفي الوقت الذي قال فيه رئيس الجمهورية في حديثه لـ (الرأي العام) بأنه لا يستطيع ان يقول إن الفريق المفاوض او الوزراء الحاليين سيشكلون الحكومة المقبلة ، بيد انه قال إن في كل مرحلة تحاول الحكومة الدفع بعناصر جديدة لها اكثر قدرة على العطاء وقطع بأنه ليست هنالك مواصفات جديدة. وتوقع المتحدثون الذين جلهم من منتسبي المؤتمر الوطني، بأن نصف لائحة الوزراء والمسؤولين في المرحلة المقبلة سيكون من اللاعبين القدامى وان العديد من قيادات احزاب البرنامج الوطني سيجدون مواقع لهم في قطار السلطة المقبلة لاسيما الدقير من الاتحادي الديمقراطي ونهار من حزب الامة الفيدرالي وعصام البشير من الاخوان المسلمين ومحمد ابوزيد من انصار السنة ..*فهل يكرر الحزب الحاكم الاخطاء في اختيار شاغلي المناصب الدستورية المقبلة ، كما يتساءل الصحافي والكاتب عثمان ميرغني الذي وصف الحزب الحاكم والحركة الاسلامية بأنهما مجرد واجهات صورية ذائبة في عقليات فردية نافذة فهل تكرر الاخطاء او تظل ذات جينات وراثية واحدة نتيجة تناسل دائرة مغلقة في بيئة القرار المصنوع في اضيق المطابخ ..؟!!