البشير والترابي وجارانج في جلباب هذا الرجل
البشير والترابي وجارانج في جلباب هذا الرجل
البرعي.. آدم السودان
أسماء الحسينيلم يقترف السياسة, لكنه ذهب إلي منتجع نيفاشا في كينيا ليبارك مفاوضات السلام بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة المركزية في الخرطوم. أحب مصر ومات فيها, وكتب عنها قصيدة شهيرة بعنوان مصر المؤمنة بأهل الله لكنه غير معروف إلا بين أتباع الطرق الصوفية. قام بكثير من المصالحات بين القبائل والأحزاب السودانية المتناحرة, أما أتباع الديانات الأخري فكانوا يعتبرونه رمزا للتسامح, وينظر إليه كبارقة أمل لنهاية مشروع الإسلام السياسي.رغم أنه اختار التصوف لنشر رسالته, فإنه كان مصلحا اجتماعيا من نسيج خاص.حروب السودان علي السلطة وعلي الأفكار والأديان, كانت تدور بعيدا عن قيمته المتواضعة.تحولت أرجاء السودان في الأيام الماضية إلي مأتم كبير, وفاق حزن السودانيين علي رحيل الشيخ الصوفي عبدالرحيم البرعي كل حزن سواه, وجمع مأتمه كل الفرقاء السودانيين الذين فرقت بينهم سبل السياسة, ونعاه كل المختلفين, وسار في جنازته الزعماء العوام, المسئولون الحكوميون والمعارضون, الرجال والنساء, والصغار والكبار, ورموز الفن والأدب والسياسة والرياضة.وقد كان الراحل العظيم بحق شيخ السودان, والرجل الذي يجمع عليه السودانيون الذين لا يجمعون علي شيء تقريبا, بل كان أبا للجميع, وكيف لا يجمع الرجل السودانيين في موته, وقد كان جامعهم في حياته, فمن هذا الشيخ الأسطورة؟ وما المؤهلات التي أوصلته إلي هذه المكانة الرفيعة؟ وما حكايته مع مصر؟ ولماذا ذهب إلي محادثات السلام السودانية في نيفاشا بكينيا؟التف السودانيون حول الشيخ البرعي, ربما لأنهم كانوا يبحثون عن رمز وطني وديني واجتماعي يلتفون حوله بعد خيبة أملهم في كل زعمائهم وقياداتهم السياسية, وقد مثل لهم البرعي بارقة أمل ورمزا وقدوة علي مختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والثقافية والقبلية والاجتماعية, حتي غير المسلمين منهم كانوا يكنون له الاحترام والتقدير, ويعتبرونه رمزا للمحبة والتسامح والبساطة وقبول الآخر.وقد استخدم البرعي صلاته الحميمة بكل القيادات السياسية وألوان الطيف السياسي الذين كانوا يسعون إليه ويفخرون بقربهم منه لصالح الوطن ولعقد المصالحات ونزع فتيل كثير من النزاعات.في رحلته الأخيرة للعلاج من مرضه الذي ألم به جاء الشيخ البرعي إلي مصر محبوبته التي أحبها في شبابه قبل أن يراها وضع لها مكانة في قلوب السودانيين, وكتب فيها أروع ما كتب عنها وضمنها قصيدته الشهيرة مصر المؤمنة بأهل الله التي حفر فيها في الوجدان السوداني حب مصر وتقديرها والاشتياق إليها.وضع البرعي بقصيدته هذه في الوجدان السوداني تجاه مصر ـ بغير مبالغة ـ ما لم تستطع كل المؤسسات والأجهزة المصرية أن تفعله علي مدي مئات السنين.ذهبت لزيارته خلال وجوده بالقاهرة وأجريت معه مقابلة هي الأخيرة تقريبا التي يجريها قبيل وفاته, ذهبت إليه مشتاقة لرؤية هذا الرجل الذي يجله كل سوداني, وأنا أشعر بأنني وكل مصري مدينون له بما أرساه في الوجدان السوداني من حب مصر التي وصفها في قصيدته الرائعة بالأم, يقول عنها: مصر أمنا.
مندوبة الأهرام العربى تحاور الشيخ البرعى
ولهذه القصيدة حكاية, فعندما ذهب في شبابه لإجراء جراحة في الخرطوم لاستخراج حصوات من الكلي رأي في منامه أنه زار مصر وطاف بكل أوليائها الصالحين, ولما أصبح لإجراء العملية فوجئ الأطباء بأن الحصوات قد تفتت من تلقاء نفسها. فكتب الشيخ البرعي رائعته عن مصر وأوليائها الصالحين الذين تعجب الناس من معرفته ووصفه لمزاراتهم قبل أن يراها رأي العين.كنت أشعر بأنني تأخرت كثيرا قبل أن أقابل هذا الرمز رغم زياراتي العديدة للسودان, كنت أنوي في كل مرة زيارته, لكن الأحداث المتلاحقة في السودان كانت دوما تحاصرني وتحول بيني وبين هذا الرجل الذي ترك بصماته في كثير من أنحاء السودان.إن لم يكن بفعله, فعبر أفكاره ورؤاه, ولما أخبرته بذلك هون علي وقال بطيبة مؤثرة وتواضع جم: زيارتك وصلت.لم يكن شيخا صوفيا عاديا, بل كان مجددا, وكان مصلحا اجتماعيا من الطراز الأول, يقول عنه المؤرخ والكاتب السوداني الدكتور عبدالله حمدنا الله: امتلك أفئدة عامة الناس بسهولة ألفاظه وشيوع عباراته, وكانت آية العظمة في شخصيته الإنسانية التي تتصف بأسمي خصائص الإنسانية, كما كانت أقوي خصائصه العصامية وعدم جموده في قمة باردة, لأنه لم ينظر إلي أعلي غرورا, وإنما ظل يخفض بصره إلي أدني تواضعا.ويوضح حمدنا الله, بدأ البرعي طريقه في بيت من بيوت الطريقة السمانية, لا يتعدي أثره محيطه في بقعة نائية من شمال كردفان, لم يسمع بها أحد خارج محيطها, فهي ليست جاذبة بثروة ولا جمال, وهو ليس من أصحاب الأموال ولا أكبر إخوانه ولا أكثرهم علما ولا أحقهم بخلافة والده, لكنه استطاع بعصامية فذة أن يرتفع بخلافته لبيت من بيوت الصوفية إلي أن يكون أشهر رجال الطرق الصوفية في السودان قاطبة, وأن يخرج من قرية الزريبة ليكون شخصية قومية يعرفها كل أهل السودان.ولم يعم الحزن علي الشيخ البرعي السودان وحده, بل تعداه إلي خارجه إلي المهاجر والمنافي التي حط فيها السودانيون الرحال, وأيضا إلي كل من عرف الشيخ في العالم العربي والإسلامي, حيث كان يشارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية, وقد عبر السودانيون عن مشاعر الأسي واللوعة التي اجتاحتهم شعرا.كان شغوفا ببناء المساجد, وبني عددا منها في جميع أنحاء السودان, وكانت له معرفة كبيرة بالسيرة والفقه واللغة, وكانت قصائده تحمل دروسا في السيرة النبوية وتحض الشباب علي العمل والأخلاق.عرف باهتمامه بالشباب والأيامي, وأقام حفلات الزواج الجماعي, وظل ينادي بتخفيض المهور ومحاربة العادات الضارة واحترام المرأة وتقديرها.وقد اقتفي البرعي في حياته نهج آثار أئمة الإسلام المهتدين, وقدم نموذجا طيبا لمريديه وأحبائه, فاجتذب نحوه الملايين, ووصل تأثيره إلي دائرة واسعة عمت أرجاء السودان.وامتدت بينه وبين فئات المجتمع السوداني قاطبة أقوي وأمتن الصلات, قوامها احترام الناس الشديد للشيخ الجليل الذي اجتذبهم بنهجه الوسطي, الذي لم يجنح يوما إلي الغلو أو التشنج, فنجح في جمع الصف وتوحيد الكلمة, وعمد إلي تبسيط شرح تعاليم الدين, مقتديا بالقدوة الحسنة للرسول صلي الله عليه وسلم.وقدم البرعي في حياته المثال الصادق علي إخلاص النية وصدق التوجه وقوة العزيمة يقول عنه الدكتور محيي الدين حسن, أحد مريديه, كان متواضعا تواضع العلماء الأفذاذ, وكانت كرامته في استقامته واهتمامه بالوطن دون انحياز وانشغاله بقضاياه كالسلام ومشاكل الشباب وغلاء المهور وتيسير الزواج وتكريم المرأة ومحاربة العادات الضارة.جمع البرعي الناس حول كلماته التي قدمها نثرا وشعرا, وتميز بقصائده في مدح الرسول التي تناقلتها كل الألسنة في السودان.لا تخلو قصائده من مدح وإرشاد نحو فعل الخير والتعامل الكريم حتي مع من يعادوننا يقول: أحسن فيمن عاداك ومن يحبك, وفي معاملة الزوجة يقول: مهما دمت لا تظلمها والدين الحنيف علمها, ومن نعماك لا تحرمها, ارعي حرمتها واكرمها.وترك تراثا علميا وأدبيا خالدين جسده مسلكه الواقعي, وقدم أعظم الدروس في كيفية تعميق أثر التدين في حياة الناس, ونذر حياته كلها لفعل الخيرات, فأنشأ المساجد وخلاوي القرآن ودور العلم, وبذل جهده للصلح بين القبائل والناس وإقامة البني التحتية.قال عنه الشيخ صادق عبدالماجد, المرشد العام للإخوان المسلمين بالسودان: إن فقده فقد أمة لأنه لم يكن شخصا واحدا, وإذا كانت أعمال الناس تقاس بأعمارهم فقد قدم البرعي أعمالا مضاعفة آلاف المرات, وقدم فكرا نظيفا وأنشأ معاهد العلم, وقرب الناس من مفهوم الإسلام الصحيح المرتبط بالله ورسوله الكريم, الذي أبرزه الشيخ البرعي في صورة حببته إلي جميع الناس وجعلتهم يريدون التقرب منه عن محبة واقتداء, لقد كان أستاذا للسودان شيبه وشبابه ومثقفيه وعامته.
أحد المساجد التى ساهم فى تشييدها البرعى
وعنه قال المفكر السوداني الدكتور حسن مكي: دخلت قصائده وأناشيده في كل بيت في السودان, ومنحته جامعة الجزيرة وجامعة أم درمان الإسلامية درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم الإسلامية, كما أقامت له جامعة إفريقيا العالمية حفلا قدمت له فيه شهادة تقديرية عرفانا وتقديرا لمكانته.ويوضح مكي: جمع البرعي بين الأدب والرزانة ودماثة الخلق والصبر علي الناس والقدرة علي تحمل ضغوطهم, وخفف عن كثير من الخلق كثيرا من معاناة هذه الحياة بأشعاره وأعماله واستطاع أن يجدد أرواح الكثيرين ويربطهم برباط الدين.وقال عنه الكاتب الصحفي السوداني عبداللطيف البوني, أسهم الشيخ البرعي في بناء الأمة السودانية وكان رمزا من رموز الوطنية.لم يكن يتعصب لمذهب أو طريقة, يجامل الناس في الأفراح والأتراح, ولم يكن يميل إلي السياسة, إلا أنه احتفظ بعلاقات وصلات طيبة مع كل الساسة الذين عرفهم, وكان يوجد حوله دائما كل ألوان الطيف السياسي.عرف بحبه الشديد للرسول ومدحه في دواوين شعر منها فتح ذي المعارج في الشعر السوداني الدارج ورياض الجنة ونور الدجنة وله منظومة فقهية عقائدية.وأغلب المداحين في السودان يترنمون بكلماته, وكان ملحنا مجيدا استمد موسيقي ألحانه من البيئة السودانية وإيقاعاتها في سهولة وجمل يستقيها من أساليب الغناء الشعبي السوداني.كان يصلي خلفه الآلاف يوم الجمعة التي كان يحرص علي الوجود خلالها في الزريبة حتي وإن كان خارج السودان عاد إليها ويتعلم في مؤسسته التعليمية حوالي ألفي طالب من السودان وخارجه وفر لهم سبل الحياة والعلم.ومن المواقف الطريفة التي تروي عن تأثيره أن تاجر حناء في الخرطوم أراد بيع بضاعته فروج كذبا أن مرضا ما سيصيب الأطفال وأن الشيخ البرعي أوصي بحناء الأطفال, فكان أن انتهت كل كميات الحناء من السوق علي الفور.وقد نعت رئاسة الجمهورية في السودان الشيخ الأجل كما ذهب لعزائه النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان طه وعدد من الوزراء والأمين العام للحزب الحاكم وقيادات الأحزاب المعارضة.كما نعاه جون جارانج, زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان, وأوفدت الحركة وفودا للمشاركة في تشييعه.وقال عنه ياسر عرمان, الناطق الرسمي باسم الحركة: إن حركته تنظر للشيخ البرعي بتقدير كبير, وأن زياراته لمفاوضات السلام في نيفاشا بكينيا كانت دافعا حقيقيا ومعنويا للوصول إلي اتفاقية السلام.كما نعاه الشيخ يوسف القرضاوي وقال: فقدت الأمة الإسلامية شيخا جليلا ورعا يداوي الناس بالعفة والطهارة, ذا قلب وروح قوية استطاع أن يؤثر في عشرات الآلاف.كان الشيء الكبير عنده الوطن, ذهب إلي مقر المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية برغم مرضه, وقابل جارانج وأعضاء حركته, سألته: كيف قابلتك قيادات الحركة؟ قال: بود وتقدير كبيرين, وقد جاء جارانج لزيارتي وبصحبته زوجته السمراء الطويلة.سألته كيف تنظر لاتفاقيات السلام؟ قال: سيكون في السلام خير كثير للسودان, سألته: يخشي بعض الناس من وصول الحركة الشعبية للحكم ومشاركتها في السلطة, كيف تري ذلك؟ أجابني: لا داعي للمخاوف, هم إخواننا ومشاركتهم ستكون لصالح السودان واستقراره.وحينما قابله جارانج قال له: نحتاج إلي وجودك أطول فترة ممكنة في نيفاشا حتي تلهمنا الصبر والحكمة لحل مشكلات الوطن والتوصل إلي اتفاق السلام.كانت خلاصة حديث الشيخ البرعي له: إن الوطن يسع الجميع, كان مهموما بتصعيد الأزمة في دارفور, كان يري أن تسليح الشباب بأخلاق الإسلام هي السبيل لصنع وطن أفضل.يقول عبدالعزيز حسن صالح, القنصل السوداني بالقاهرة الذي رافق الشيخ خلال رحلته للعلاج بالقاهرة, كان يأسر الناس بتواضعه وحديثه السهل الممتنع وتعبيراته التي تحمل معان كبيرة بأبسط الألفاظ.كان قلبه ومقره مفتوحين للجميع, يروي أن متمردي دارفور اعترضوا بعض مريديه وهم في طريقهم إليه, ولما سألوهم عن وجهتهم أخبروهم, فأطلقوا سراحهم علي الفور, وطلبوا منهم أن يسألوا الشيخ البرعي الدعاء لهم, فلما أبلغه مريدوه بسؤال المتمردين دعا لهم بالهداية.وفي رحلة علاجه الأخيرة في معهد ناصر بالقاهرة قبل توجهه إلي ألمانيا توافدت عليه أعداد كبيرة من السودانيين وأعداد من المصريين لزيارته, ومثل ذلك ضغطا علي إدارة المستشفي التي كانت تتنازل فتسمح للمريدين والزوار برؤيته فيستقبلهم بكل بشاشة ويدعو لهم رغم وطأة المرض.وبعد خروجه من المستشفي توجه إلي منزل السفير السوداني بالقاهرة الدكتور أحمد عبدالحليم حيث أقام فيه3 أسابيع, تحول فيها المنزل من بيت دبلوماسي إلي ما يشبه المسيد وتعني باللهجة السودانية المزار أو الضريح, حيث توالت علي المنزل أنماط بشرية عديدة, موالون ومعارضون, مسئولون رسميون ومواطنون بسطاء, كتاب وصحفيون, وسط فرحة غامرة من السفير وحرمه وأسرته, التي اعتبرت وجود الشيخ وزواره بمنزلهم تشريفا لهم.وخلال فترة علاجه بمصر وألمانيا وأيضا داخل السودان لم تنقطع اتصالات الرئيس السوداني عمر البشير ووزرائه وقيادات الأحزاب والرموز السودانية للاطمئنان علي صحة الشيخ, وحرص الصادق المهدي, زعيم حزب الأمة علي زيارته بالمستشفي في القاهرة.ورغم حبه الكبير لمصر لم ينل حظه في مصر من الذيوع والانتشار فيها علي المستوي الإعلامي, وظل معروفا فقط لمن عاش أو اقترب من المصريين من السودان.ربما لو كان غيره لكان الأمر مختلفا ربما لأنه لم يسع إلي ذلك, ولأن أحدا لم يتخيل أن شيخا أو متصوفا يقول شعرا عن مصر بمثل هذا الحب والهيام والرقة.يقول المثل السوداني: يوم شكرك ما ييجي وهو ما يعني لا عجل الله يوم شكرك, ويوم الشكر في السودان هو يوم الوفاة لأن المرء عادة لا تذكر مناقبه إلا بعد وفاته, وها قد حانت ساعة الشكر في مصر لهذا الشيخ الجليل الذي أحبها حبا عظيما, وقدم لها كثيرا, ووجب اليوم أن ينال حظه ليس من التكريم فقط, وإنما أيضا من التعريف والنشر لأعماله وتسليط الضوء علي مؤلفاته وأفكاره التي تركت أثرا كبيرا في أهل السودان, وجعلت الجميع في حالة قرب وجداني وأخوي.سألته في نهاية حديثي معه الدعاء, فدعا لي بالخير وشال لي الفاتحة بتعبير أهل السودان, ودعا الله أن يؤلف بين أبناء الوطن الواحد في السودان, وأن يوحد الأمة الإسلامية.واليوم ما أحوج السودانيين وهم يستقبلون مرحلة فاصلة من تاريخهم إلي الحفاظ علي التراث الذي جسده الشيخ البرعي من قيم التسامح والأخلاق الفاضلة وعلي الحفاظ علي إرثه العظيم في عمل الخير والتعايش وقبول بعضهم بعضا والتسامي عن الأحقاد والمرارات والتصافي والمحبة الخالصة والإقبال علي السلام بقلوب مفتوحة.وما أحوج المسلمين إلي الاقتداء بدعوته الوسطية وتسامحه ونبذه للغلو والتطرف واعتماده الكلمة الحسنة كأسلوب للحوار حتي لا يقعون في الفتن التي أضرت بالمسلمين كثيرا.رحلة العمر ولد الشيخ عبدالرحيم البرعي عام1923 في الزريبة في كردفان غرب السودان, التي ظلت مقره الدائم طوال حياته, وحفظ القرآن بمسجد والده وتلقي عنه العلم, وكان يخرج منها ويعود إليها, وكان له أربعة أخوات, أحدهم تخرج في الأزهر الشريف, و14 أختا, منهم سارة التي ولاها تعليم النساء في مسجده.وقد تزوج الشيخ6 مرات, صاهر فيها عدة قبائل, وله من الأبناء24 من الذكور, و17 من الإناث. وتوفي له3 أبناء أخيرا, فصبرا علي فقدهم, وكان صبره علي مصابه مضربا للأمثال.شيوعيون في الطرق الصوفيةبدأت أعداد كبيرة من الشيوعيين في السودان في السنوات الأخيرة بالانضمام إلي الطرق الصوفية, وجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي السوداني كان من أقوي الأحزاب الشيوعية في العالم وأكثرها قدرة علي التأثير وشارك بفاعلية في صياغة الحياة السياسية السودانية.ربما تكون عودة هؤلاء الشيوعيين إلي الطرق الصوفية بعد الماركسية هي عودة لأقرب شكل للتدين, أو تعبير عن الشخصية السودانية التي لا تنفصل عن التدين السوداني الصوفي مهما اعتنقت من مذاهب سياسية.أو قد تكون محاولة للبحث عن البديل في مواجهة الإسلام السياسي الذي تمثل في حكم الإنقاذ للسودان منذ عام.1989ورغم ما يحمله الأمر من إيجابيات إلا أنه يعكس في نظر البعض محاولة لتسييس الطرق الصوفية, يحمل مخاطر شتي, لأن تلك الطرق كانت أحد عوامل وحدة السودان لمئات السنين, حينما كانت بمعزل عن السياسة, رغم محاولة بعض السياسيين استخدامها لصالحهم.جارانج يغازل الصوفيةيوما بعد آخر يثبت جون جارانج زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان أنه سياسي محنك ولاعب مقتدر في الساحة السودانية, فنطاق تحالفاته واتصالاته يتسع يوما بعد يوم, لا يستثني منه أحدا, حتي الطرق الصوفية ورجالاتها اتصل بعدد منهم وأبلغهم احترامه وتقديره لدورهم في السودان ولمذاهبهم الصوفية التي تقوم علي التعايش والتسامح, وأخبرهم بأنه لا يمانع في وجودهم في الجنوب لنشر طرقهم.الإسلام الصوفي قادم إلي الغرببعد15 عاما من حكم الإنقاذ في السودان, التي عبرت عن مشرع للإسلام السياسي, وجهت له العديد من الانتقادات لن يتواري الإسلام تماما في السودان, فلايزال هناك إسلام آخر صوفي أمامه فرصة للبقاء والاستمرار.وفي الغرب أصبحت الصوفية منهجا يجتذب الناس للإسلام, يقول الدكتور عبدالمعز أبونورة, أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الدراسات الإفريقية في جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة نشأت امتدادات للطرق الصوفية في الولايات المتحدة وأوروبا, وهي امتدادات تماثل الطرق الموجودة في آسيا وإفريقيا, فهناك امتدادات للطرق النقشبندية الموجودة في تركيا والعراق والنقشتية في الهند وباكستان وبنجلاديش والمولودية في تركيا, والمريدية في وسط وغرب إفريقيا.ويضيف: وإلي جانب ذلك نشأت مجموعات صوفية أخري عالمية تضم عددا من الأمريكيين, جزء منهم لا يعتبرون أنفسهم مسلمين, لكنهم مع ذلك يلتزمون بالمفاهيم الصوفية الأساسية, ومرجعيتهم هي تراث ابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهما من أئمة الصوفية.ويعتبر هؤلاء الطرق الصوفية مفتوحة للمسلم وغير المسلم وتوحد بين جميع
<< Home