news & views

Saturday, July 16, 2005

ندوة "البيان": قراءة في المستقبل السياسي "الق


موضوع الرسالة: ندوة "البيان": قراءة في المستقبل السياسي "الق

خلال ندوة نظمتها البيان في العاصمة المصرية قراءة في المستقبل السياسي «القريب» للسودان على ضوء «اتفاق القاهرة» أقطاب "التجمع" المعارض تتنازعهم شكوك الماضي وتطلعات العهد الجديد: فاروق أبو عيسى: السودانيون حملوا السلاح في وجه النظام.. ولا خوف من "الصوملة" الفريق عبدالرحمن سعيد: نواقص وسلبيات شابت "إتفاق القاهرة" نتيجة عدم جدية الحكومة والوسطاء د. الشفيع خضر: عودة "التجمع" وقياداته لا تتحدد بحفل تنصيب وإنما بتوصلنا لاتفاق التوم هجو: مشاكل دارفور والشرق تؤكد أن حل الأزمة السودانية لا يتم بالتجزئة أدار الندوة: د. محمد السيد سعيد متابعة وإعداد: رجاء العباسي دخل السودان مرحلة جديدة في تاريخه السياسي منذ أن تم تنصيب الدكتور جون قرنق نائبا أول لرئيس الجمهورية، بمقتضى اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا بين حكومة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، وبدأ العد لفترة انتقالية ستستمر لمدة ستة أعوام تنتصفها انتخابات. وقد ألحق «اتفاق نيفاشا» باتفاق آخر لم تكتمل ملامحه بعد، وهو «اتفاق القاهرة» الموقع بين حكومة الخرطوم والتجمع الوطني الديمقراطي. «البيان» عقدت ندوة في القاهرة حضرها عدد من قيادات التجمع الوطني المعارض يمثلون اللجنة السياسية المفاوضة، في محاولة لقراءة كنه «اتفاق القاهرة» وأسباب عدم اكتماله، ومسألة نقل العمل السياسي إلى داخل السودان، وعدم مشاركة قيادات «التجمع الوطني الديمقراطي» في احتفالات التاسع من يوليو وتنصيب حليفهم د. جون قرنق، ورؤيتهم للفترة الانتقالية وإمكانية المشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة. واتفق المشاركون خلال الندوة على أهمية الاتفاق، رغم النواقص والسلبيات التي شابته في نظرهم، لكنهم لم يخفوا شكوكهم ومخاوفهم من عدم تنفيذ بنود الاتفاق أو التباطؤ في تنفيذها. كما انتقدوا دور بعض الوسطاء وما اعتبروه «عدم جدية الحكومة» أثناء مرحلة التفاوض. في بداية الندوة، أوضح د. محمد السيد سعيد ـ مدير مكتب «البيان» في القاهرة ـ أنها تأتي كمحاولة لقراءة المستقبل السياسي المباشر للسودان وفق ما تم من اتفاقيات للسلام خاصة «اتفاق القاهرة»، وطرح على الحضور تساؤلا حول كيفية الاستفادة من عملية إعادة نسج العلاقات السودانية ـ العربية، نظرا لما يحتله السودان من مكانة في قلوب العرب الذين يعتبرونه الجسر الرابط للعلاقات الأفريقية العربية. وأشار إلى أن «اتفاق القاهرة» شابته مشكلات وسلبيات كبيرة وكثيرة، بعضها له طبيعة عملية مثل غياب قضيتي الشرق ودارفور وما يعنيه ذلك بالنسبة لوحدة الدولة، وكذلك أهمية التحديد المسبق لتواريخ التفاوض بغض النظر عما تم التوصل إليه، وتأجيل أو تأخير المفاوضات وربط إنجاز «اتفاق القاهرة» بموعد تم تحديده مسبقا هو التاسع من يوليو، كذلك بعد أو قرب «اتفاق القاهرة» من «مقررات أسمرا 95»، وهل وئدت تلك المقررات وهي ابنة الـ 10 أعوام استجابة للتغيرات والضغوط الإقليمية والدولية وفرض حلول على التجمع؟ *الفريق عبد الرحمن سعيد: في رأيي أن النواقص والسلبيات التي شابت «اتفاق القاهرة«، جزء كبير منها نتج عن عدم جدية حكومة الخرطوم والوسطاء معا، حيث سار الحوار بطريقة غير الطريقة الواجب السير فيها، خاصة إذا قارناه بالحوار الذي جرى في نيفاشا.أولا: الوسطاء والحكومة لم يكونوا جادين في مشاركة كل فصائل التجمع ولم يكن هناك حرص على مشاركة الجميع بالقدر نفسه، وكانت الرغبة في الجلوس مع فصائل معينة لحضور هذا الحوار. كذلك لم يكن هناك أي حرص على مشاركة دول أخرى في رعاية التفاوض، رغم أننا كطرف رأينا أن تحضر بعض الدول التي قدمت للتجمع مساعدات كبيرة طوال فترة المعارضة ـ تحديدا أريتريا ـ وهذه الدول كانت ستساعد في دفع الحوار للأمام، وهو ما كان سيسهم بالتأكيد في تعظيم الفوائد. أيضا وللأسف، المعاملة من جانب الوسطاء بالنسبة لطرفي التفاوض: حكومة الخرطوم ونحن في التجمع، لم تكن متساوية، فالتجمع كان التعامل معه يتم في إطار كونه مجموعة من المعارضين أو الخارجين على القانون. أما الآخرون فهم حكومة مثلهم مثل الدولة الراعية. كنا نعاني من هذا (معارضون يناقشون حكومة).. في منبر نيفاشا لم يكن هذا الأمر واردا، فالدولة الراعية للمحادثات لم تكن تفرق في المعاملة بين المتمردين (الحركة الشعبية) والحكومة.. بل اعتبروهما طرفين متفاوضين متساويين. ومن النواقص التي صاحبت اتفاق نيفاشا كان التباعد الزمني بين الجولات. فالجولة الأولى بدأت في أغسطس، والثانية في أكتوبر، والثالثة في يناير، والرابعة في يونيو.. لم يكن هناك جدول زمني متقارب حتى لا تموت القضايا، ولفترات طويلة كان هناك تجاذب، فنحن في التجمع الوطني وضعنا عددا من الموضوعات المكتوبة والتي تحتاج لمزيد من البحث، وكانت الحكومة تنكر ذلك وتدعي أنه لا توجد أشياء معلقة وتصمم على الحضور في كل مرة فقط للتوقيع. وهو أمر أوقفنا كثيرا، فالتوقيع لا يجب أن يتم إلا بعد الاتفاق النهائي. في فترة إصرارنا على مناقشة أشياء معينة وإصرار الحكومة على التوقيع فقط حدث توقف طويل في المفاوضات، إلى أن أتى طرف ثالث وهو د. جون قرنق بعد أن أنهى منبره، ليتوسط وهو في الوقت نفسه جزء من التجمع، وجزء من المشكلة، توسطه كان لتحريك الأمور. هذه واحدة من السلبيات التي شابت »اتفاق القاهرة». * «البيان»: هل عدم الاهتمام بالتجمع يمكن رده إلى أن المجتمع الدولي ومصر رأوا أسبقية القضية العرقية على القضية الديمقراطية أم اعتبروا أن التجمع يعد هامشيا..؟ * الفريق سعيد: إذ كان الرأي هذا أو ذاك، فهذا يعتبر أيضا من السلبيات التي تحسب على الاتفاق.
* نواقص.. وإيجابيات* «البيان»: هذه نواقص وسلبيات شكلية.. ما هي النواقص الموضوعية داخل الاتفاق نفسه؟ هل هناك قضايا لم تأخذ حقها في النقاش؟ هل هناك قضايا نوقشت بشكل موسع على حساب أخرى..؟ وما هي ضمانات تنفيذ اتفاق بهذا الشكل..؟ * د. الشفيع خضر: عند محاكمة «اتفاق القاهرة».. بالتأكيد توجد فيه سلبيات، لكن فيه ايجابيات أيضا، خاصة وأن هدفنا في التفاوض لم يكن تحقيق انتفاضة أو تنفيذ مقررات أسمرا. الاتفاق يحتوي على محاور رئيسية، فمحور التحول الديمقراطي تحقق فيه الكثير، ومحور آخر يرتبط بقضية استقلال القضاء والقوانين، ومحور يرتبط بقومية الأجهزة سواء الأمنية أو العسكرية أو المدنية، ومحور السياسات الاقتصادية، ومحور ضرورة إعادة النظر في تجربة الحكم الفيدرالي واللامركزي في السودان.. كلها محاور حققت الكثير، ومن الصعب القول إن الاتفاق لم يحقق شيئا. القضية التي كانت تزعج الجميع الذين اعتقدوا أن التجمع سيجلس فقط ليتفاوض حول السلطة، هي القضية الوحيدة التي لم يحدث فيها اتفاق.. ولا أعتبر عدم التوصل لاتفاق فيها شيئا سلبيا، بالعكس، هذا يعني أننا لا نقبل المشاركة في سلطة سنكون فيها مجرد ضيوف في الوزارات. فما جدوى أن نرتدي «البدل» و«الكرفتات» ونجلس في مكاتب ووزارات تدار من خارجها أو من وكلائها؟.. وهي قضية نرفضها وستظل القضية الجوهرية معلقة حتى يبت فيها. وكلنا يعلم أن السلطة هي صمام الأمان للتغيرات التي تحدثنا عنها. إذا كنا نحن كحركة سياسية وجماهيرية تمسكنا بقضايا التحول الديمقراطي، وقومية الأجهزة، ومحاسبة كل من ارتكب جريمة تخص حقوق الإنسان، في حراك سياسي واسع داخل السودان، أعتقد أننا سنقطع شوطا كبيرا في تحقيق «اتفاق القاهرة» وتعبيد الطريق بالنسبة لنا لتحقيق «مقررات اسمرا» التي نؤمن أنها مقررات مناسبة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة. * التوم هجو: حدد التجمع الوطني قضيته في مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا 1995. وكان تحقيق القضايا بإسقاط النظام واقتلاعه من الجذور. وهذا لم يتحقق، ونحن لم نسلم بعدم تحققه.. وقد عملنا في إطار تحقيقه ولكن التفاوض في نيفاشا حدد لنا سقفا آخر. وسقط هنا مبدأ التجمع الذي تنتمي له الحركة الشعبية، في إسقاط النظام بالصورة المتوقعة. لا الحركة الشعبية ولا التجمع يتحمل تغير المسار. هذا واقع دولي فرض علينا.. وقبلته الحركة، وحققت من خلاله ما أمكنها تحقيقه بالنسبة للجنوب، أما فيما يتعلق بالقضية الكبرى للتجمع وهي التحول الديمقراطي فقد حققنا فيها ما استطعنا.إذا كان لدينا عتب على نيفاشا، فلا يقع على الحركة، وإنما على المجتمع الدولي الذي حاول أن يقايض قضية السودان عامة والتحول الديمقراطي والحريات، بإنقاذ قضية الجنوب والحرب فيه.. وهذا مبدأ سام، ولكن كان من الممكن أن يتم دون المقايضة بحقوق الآخرين. وهي نظرة سطحية ضيقة، حيث نجحت حكومة الخرطوم في إقناع العالم بأنه لا توجد أي قضية في السودان سوى قضية الجنوب. وهو الأمر الذي أثبت كذبه حينما حلت مشكلة الجنوب فبرزت المشاكل الأخرى في دارفور والشرق، لتعلنا أن الحل للأزمة السودانية لا يمكن أن يتم بالتجزئة. من هذا المنطلق وفي القاهرة لم نتعامل نحن في التجمع مع سقف القضايا المصيرية وإنما كان التعامل مع السقف المحدد في نيفاشا، وهذا ما ألزمنا به الواقع. وهدف «اتفاق القاهرة» هو محاولة استكمال النقص الذي أخفقت فيه نيفاشا فيما يتعلق بقضايا الحريات والشمال.. ولذلك كانت أولوياتنا في كل المفاوضات هي التحول الديمقراطي والسياسي واستعادة الحريات. وآخر بند كان هو نسب المشاركة في السلطة، بالرغم من أن الرأي العام المضاد كان يركز على هذا البند لتبخيس مطالبنا. وكما ذكر د. الشفيع، حدث اختراق واضح في المسائل التي تبناها التجمع فيما يخص الجانب السياسي، واستقلال القضاء ورفع المظالم ودفع الضرر. ولا نستطيع أن نقيس ما أنجز بالنسب، لأنها تمثل حقوقا، والحق واحد لا يتجزأ. حققنا جزءا كبيرا وما لم يتحقق لن نتنازل عنه وسنواصل المطالبة به في ظل واقع ومعطيات جديدة. * «البيان»: ماذا عن حقوق المفصولين والمحالين للصالح العام؟ * هجو: اتفقنا في منبر القاهرة على أن رفع المظالم ودفع الضرر يمثل عنصرا أساسيا، وتم الاتفاق على تكوين لجنة ذات سلطة قضائية يرأسها قاضي محكمة عليا يتم التوافق عليه، تعمل على رفع المظالم عن الأفراد والتنظيمات في كل بقاع السودان وفق قانون يصدر بمرسوم رئاسي.. وإصدار قرار رئاسي بإعادة المفصولين والمسرحين سياسيا وتعسفيا من الخدمة ردا للاعتبار فور التوقيع على الاتفاق، ويتم تكوين لجان بالاتفاق بين الطرفين لتوفيق أوضاع هؤلاء المفصولين. * «البيان»: هل يملك الاتفاق الضمانات الكافية دوليا وإقليميا لتنفيذ ما تم التوقيع عليه؟ * هجو: في رأيي نعم.. في نيفاشا خضعت الحكومة لضغط مباشر لذلك تنازلت، في القاهرة خضعت لضغط غير مباشر لتجنب العزل السياسي. سيستعيد التجمع بعودته إلى داخل السودان «كروت» ضغطه، فبحكم فصائله وظروفها يفقد التجمع كروت الضغط في الخارج لأن طبيعته غير عسكرية. كروته في الداخل هي قواعده السياسية. فبعد العودة سيتحرك الشارع السياسي وتنتظم الأحزاب. والمعادلة السياسية واضحة الآن، فالحركة جزء من النظام وجزء من التجمع الوطني، وجزء من أهدافنا المصيرية، والتجمع حقق جزءا من أهدافه وليس كلها. هناك قوى أخرى لا علاقة لها بالسلام الذي أتت به الحركة الشعبية أو أتى به التجمع، وهي قوى حرة في معارضتنا. والنظام هو الجهة الوحيدة التي تواجه هذه التيارات والضغوط. للأسف النظام ما زال يتمسك بحقوق ليست ملكه، سواء كانت في السلطة أو القوات. لا أعتقد أن النظام سيصمد مدة الـ 3 سنوات في التمسك بحقوق الآخرين.. وبالفعل بدأ التنازل بالرغم من أنه رفض التنازل في القاهرة عن سقف نيفاشا، لكن بالأمس في «أبوجا» وافق على أن يدخل في مفاوضات لا تعتبر نيفاشا هي المرجعية. دائما ما ينظر للتجمع بتركيز في فعاليته ومكوناته، ولم يحدث أبدا التركيز على جوهره. ففكرة التجمع فكرة رائدة صمدت 16 عاما بهذا الكم من الفصائل متعددة الأيديولوجيات والأعراق. حتى الأحزاب السياسية خلال هذه المدة لم تتمكن من الحفاظ على وحدتها وتماسكها، وهذه من أهم الإنجازات التي حققها التجمع. فلا توجد طاولة أو مجمع طوعي لقوى سياسية تتعدد آراؤها ورؤاها وأعراقها غير التجمع الوطني. والتجمع الوطني خلال هذه الأعوام خلق مدرسة قائمة بذاتها في كيفية اتخاذ القرار. فنادرا ما اتخذ قراراً بالتصويت، معظم قرارات التجمع تمت بالتراضي والتنازلات والمناقشات الطويلة، والتجمع هو ممثل للشعب السوداني. وبالرغم من أن هذا النظام أتى ليفرق بين الأحزاب وقواعدها، إلا أن حقيقة تمثيلنا للشعب لا يمكن تغييرها. فنحن لم نأت على ظهر دبابة أو فوهة بندقية، نحن جئنا عبر تمثيلنا الديمقراطي الحر، وكانت هناك ثلاث محاولات لقطع علاقة التنظيمات بقواعدها. وتمثل الأحزاب السودانية تجربة فريدة في عودتها المتكررة عقب أي حكم ديكتاتوري، وهذا يؤكد مدى ارتباطها بشعبها.. ونحن الآن سنعود إلى هذا الشعب وهذه القواعد. وأمام النظام الآن خياران: إما أن يتنازل تنازلا سياسيا، أو يسقط أيضا سياسيا. لأنه لن يظل في الشارع السياسي كما هو في ظل حريات واستقلال قضاء وحرية تعبير ووقف استغلال موارد الدولة الإعلامية والمادية والأمنية.
* الرهان على الشعب* «البيان»: التغييرات التي حدثت في الخارطة السياسية.. ألم تطرأ أيضا على القاعدة؟.. هل الشعب هو نفسه قبل 16 عاما؟ * أبو عيسى: التقليل من قدر الأطراف الأخرى لا يساعد القائد على السير في الطريق الذي يحقق منه أهدافه. هؤلاء الناس يملكون قدرات. وأحد ميزات هذا النظام ارتباطه بالحركة الإسلامية العالمية. الآن هم يستبدلون هذا بعلاقات دولية، سواء مع الولايات المتحدة أو وكالة استخباراتها وغيرها.. وهذا علينا أن نضعه في الاعتبار ولا نقلل منه، لكن في المقابل هذا لا يزعجنا طالما وعينا بأن كل ما نناضل من أجله ونطالب به يرتبط بمصالح الشعب. والأساس فيه التحول الديمقراطي ولقمة العيش والحريات، وتغيير شكل الاقتصاد الحالي القائم على طفيليين لا صلة لهم حتى بالاقتصاد الحر والذين أدت سياساتهم إلى خراب واتساع رقعة الفقر بين الطبقات الوسطى إلى حد ذوبانها تماما. وهذه هي إحدى القضايا الهامة التي على التجمع الوطني والحركة السياسية الاعتناء بها مع الديمقراطية، فالشعب لن يأكل ديمقراطية، بل يريد «كسرة، ملح، رغيف..الخ». أيضا هناك قضية المحافظة على وحدة السودان وحصر الاهتمام بمصالح القوميات الأخرى والجماعات العرقية والإثنية والدينية الموجودة في الأطراف، والإصرار على تصفية التهميش والظلم الذي كان واقعا عليهم. * هجو: إجابة هذا السؤال ستكون بعد شهور قليلة وبصورة عملية في الشارع السوداني. هذا سؤال جدلي الآن، ولكن بنزول التجمع الوطني والقوى السياسية للشارع ستختلف الإجابة، ويمكن أن نعكس السؤال إلى: هل استطاع نظام الجبهة الإسلامية أن يغير القاعدة والشعب السوداني؟ والإجابة هي: لا بكل تأكيد. والمجموعة التي كانت تحكم الآن تمثل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في مرحلة محددة، وهذا النظام أساسا ولد وترعرع في الجامعات. والمؤشر الواضح لفقدان هذا النظام امتداداته هي أن المكان الوحيد الذي نشأ فيه يتم إسقاطه فيه الآن من خلال قوى التجمع، فإذا انتفت قوة هذا التيار الذي يسمونه إسلاميا في الجامعات فلا يمكن الاقتناع بوجودهم في منطقة أخرى.. لأنهم في الأصل لم يكن لهم أي وجود في (الأراضي) الأخرى، ووجودهم الفعلي والحقيقي فقط هو كراسي السلطة، ولا يلتف حولهم سوى أصحاب المصالح. * «البيان»: ما هي التطمينات التي يمكن أن يرسلها التجمع حول إمكانية نجاح هذا الاتفاق الذي وضحنا ثغراته؟ * فاروق أبو عيسى: أي حل يتم عبر تفاوض في النهاية هو تراض، لا يحقق لأي طرف كل ما يريد. دخلنا بوعي كامل لمنبر القاهرة ونحن نعلم جيدا أننا لن نستطيع تحقيق كل طموحاتنا الموجودة في مقررات أسمرا. لذلك كان لنا موقف تفاوضي، لا يمثل الحد الأعلى لمطالبنا.. وفي هذا يمكن القول، بين قوسين، ان ما تم الاتفاق عليه قد تتلكأ الحكومة في تنفيذه، وهذا يستدعي مزيدا من الصراع بيننا وبينها. لكن الجديد أنه في حال إلغاء القوانين، لن نكون الوحيدين الذين يصارعون الحكومة، بل سنصارع ومعنا الشعب ممثلا في الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني.. وهذا هو هدفنا.. فبدلا من التفكيك عبر السلاح، نعمل على تفكيك دولة الحزب الواحد والنظام الشمولي عبر النضال الديمقراطي وتوسيع مشاركة الشعب بمؤسساته المختلفة. «اتفاق القاهرة» في هذا الجانب حقق نسبة عالية، وهذا هو الأهم، فليس هدفنا أهمية أنصبتنا في السلطة. وفي رأيي أن الاتفاقية إنجاز يمثل خطوات جديدة على طريق بناء سودان جديد ديمقراطي تعددي موحد. * «البيان»: هل يرتبط نقل العمل السياسي للتجمع إلى داخل السودان بإنجاز اتفاق ما.. أم يمكنه الدخول كمعارض؟ وماذا حدث لدعوة الحزب الشيوعي القديمة لنقل النشاط للداخل؟ وهل العودة ستكون جماعية أم لكل حزب وتنظيم حرية اختيار الوقت والكيفية؟.. وما هي مهمة اللجنة السياسية في الخرطوم؟ وهل سيشارك الحزب الشيوعي في الحكومة الانتقالية؟.. ولماذا لم تشارك قيادات التجمع في حفل تنصيب د. جون قرنق نائبا للرئيس؟ * التوم هجو: التجمع لم ينقل عمله للخارج إلا بعد أن أغلقت أمام وجهه كل أبواب العمل السياسي.. وفي الأساس كل تنظيمات التجمع تعمل في الداخل.بالطبع حدث تغير في الوسائل لتحقيق أهدافنا، لم نغير الأهداف ولم نتنازل عن أي هدف وسنسعى بكل ما نملكه لتحقيقها.. المشاركة في السلطة ليست هدفنا الأساسي.. سنشارك إذا كانت السلطة متماشية مع أهدافنا وأن يكون تواجدنا بالقدر الذي يتناسب وحجمنا السياسي، إذا لم يتوفر هذا فما زال لدينا الحق لاسترداده إما خلال الـ 3 سنوات أو عن طريق الانتخابات، فالمشاركة في السلطة ليست قراراً: نشارك أم لا نشارك. لن ندخل إلى السودان وفق مصالحة.. وما زلنا نتمسك بمبدأ الحقيقة أولا التي تؤدي لاحقا إلى مصالحة. سندخل إلى السودان إما مشاركين.. أو معارضين برؤية محددة، هي ما تبقى مما رفعناه في اسمرا 95.وهناك أمر مهم أحب توضيحه والتنبيه إليه، وهو أننا الآن في مرحلة شبيهة بمرحلة سابقة في عام 1988، وهي سنة مبادرة السلام السودانية. الآن هنالك سلام وفيه أشياء إيجابية كثيرة تحققت، وفيه أشياء تريد الاستكمال. فيجب أن نفرق بين محاربة السلام وبين السعي لاستكمال حقوقنا السياسية، ويجب علينا كقوى سياسية ألا نكرر خطأ مبادرة السلام السودانية 88 التي أدخلتنا والسودان كله في هذه المتاهة. وبهذا الصدد أريد توجيه رسالة لبعض القوى السياسية التي نحترمها، فنحن في التجمع الوطني لم نغفل أبدا الإجماع الوطني أو القوى السياسية خارج التجمع، ونطالب هذه القوى أن تتحلى بالمسؤولية في تناول هذا الأمر في هذه المرحلة، بالذات حزب الأمة الذي وصف «اتفاق القاهرة» بأنه اتفاق ثنائي يفتقر إلى المنطق. لأن «منبر القاهرة» أبدا لم يتعامل مع رؤية حزبية، بل تعامل مع القضية السودانية ككل. وهو يختلف عن «اتفاق جيبوتي» الذي أبرم بين حزب الأمة ونظام الإنقاذ، والذي هو بحق اتفاق ثنائي، لأنه في وقته ساعد النظام وشق الصف في التجمع الوطني. وحتى في تلك المرحلة تعامل التجمع بمسؤولية في تناوله لتلك المسألة، ولم يهاتر ولم يقلل من شأن حق حزب الأمة في الاتجاه الذي يريده. فالتعاطي السياسي غير المسؤول أو غير الأمين سيعيد السودان إلى المربع الأول. ويجب أن نفرق بين الأهداف الوطنية والأهداف السياسية والأهداف الشخصية الضيقة. يجب أن نسعى جميعا لاستعادة الحريات والديمقراطية وحقوق الشعب السوداني. ونذكر الصادق المهدي بمقولته عند عودته للخرطوم «بأن نفرق بين محاربة الوطن، ومحاربة النظام». * الفريق سعيد: اللجنة السياسية لم تكمل مهمتها بعد، فمازال لدينا بندان عالقان هما: نسب المشاركة في السلطة والمحددة بـ 14% وهذا مرفوض من جانبنا، والبند الخاص بترتيب أوضاع قوات التجمع الوطني، وهذا لم يبت فيه بالمرة.. وقد تم تقديم عرض هزيل من قبل النظام وهو غير مقبول. وحسب ملحق الاتفاق ستتم مواصلة التباحث حول البندين بعد أداء القسم، لذلك ستكون مهمة لجنة الآليات في الخرطوم هي البحث في البندين على ضوء الأوضاع الجديدة. حيث سيكون جون قرنق عنصرا جديدا في الحكومة.. ثم سيقرر التجمع وفق نتائج مباحثات اللجنة، ما إذا كان سيشارك في الحكومة أم سيستمر كمعارضة. والتباحث سيكون دون وجود الوسيط.. وسيكون في نهاية الأسبوع المقبل (15 يوليو).. أما عودة التجمع للداخل فسوف تكون جماعية وليست فردية. * د. الشفيع: دخول محمد عثمان الميرغني وقيادات التجمع للخرطوم لا يتحدد وفق حفل تنصيب د. جون قرنق نائبا أم لا، بقدر ما يحدده التوصل لاتفاق. إذن القضية ليست موقفا ضد حضور التنصيب، بل هو موقف بالنسبة لنا في حساب الخطوة السياسية الصحيحة كتجمع لدخول السودان بقيادة الميرغني.. وفيما يتعلق بحفل التنصيب فالتجمع وجًه كل قياداته السياسية في الداخل بأن تشارك في الاستقبال في المطار وفي حفل التنصيب. دخول التجمع للسودان سيكون بعد يوم 9 أغسطس، وهذا هو سبب ذهاب اللجنة للخرطوم وعودتها لتقديم تقريرها لاجتماع هيئة القيادة حتى يتم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن.أما فيما يخص مشاركة الحزب الشيوعي في السلطة من عدمها، فلا يوجد أي بيان رسمي أو تصريح من أي شخص في الحزب الذي أقام أول ندوة سياسية في الخرطوم، تقول أنه لن يشارك في السلطة، ولا يمكن أن يقال هذا لأنه لا يمكن إضعاف الموقف التفاوضي للتجمع، بأن يعلن فصيل داخله عدم مشاركته. وهنا يجب التوضيح بأن مسألة المشاركة في السلطة ستحسم على ضوء نتائج التفاوض النهائي بيننا والحكومة، إضافة لعوامل عدة يجب أن نضعها في الاعتبار أهمها وجود الحركة الشعبية في السلطة، النظام بعد 9 يوليو في الخرطوم ستكون فيه الحركة الشعبية، وهي جزء أصيل من التجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى أهمية المشاركة الفعالة. ومثلما ذكرت سابقا يجب أن نحدد هل المشاركة فعالة أم لا.. وأخيرا برنامج الحكومة الوطنية..كل هذه معطيات يجب أن توضع ليس فقط أمام الحزب الشيوعي، بل أمام كل القوى السياسية، وعلى ضوئها تقرر مؤسساته المشاركة من عدمها. وكل ما يدور الآن من عدم مشاركة «الشيوعي» هو مجرد همس أو رغبات ليست منا.
* تشخيص الأزمة* «البيان»: هناك ـ الآن ـ سيناريوهان كبيران: الأول تطور فوضوي بدلا من الحرب الأهلية قد يؤدي إلى توسيع الاشتباك، أي حرب شوارع.. الثاني: عملية مفتوحة قد نصل من خلالها إلى صيغة خلاقة لتعريف الدولة السودانية ومن ثم تأمين تطورها المستقبلي والعلاقة بين الدولة والمجتمع وأقسامه المختلفة.. هل أنتم مطمئنون لهذه العملية وأنها مفتوحة النهاية؟! * أبو عيسى: الحركة السياسية السودانية ومنذ فترة طويلة، متمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي لأول مرة تعمل على تشخيص الأزمة التي لحقت بالسودان منذ الاستقلال وحتى اليوم. في يونيو 95 في اسمرا اجتمعت كل القوى السياسية والنقابية والعسكرية والشخصيات الوطنية المؤثرة في السودان ـ ناقصا الجبهة الإسلامية ـ وأصدرت ما تعارفنا عليه بمقررات اسمرا المصيرية. قيمة هذه المقررات هي الاعتراف بوجود الأزمة منذ الاستقلال، وإدانة الرفض من قبل القيادات لهذه الأزمة ومحاولة تجاوزها بإنكارها.. المقررات وضعت برنامجاً لمواجهة مسببات هذه الأزمة، وصار التجمع منذ ذلك الوقت مبنياً على هذا الفهم.. هناك أزمة وهناك تشخيص وهناك حلول. ثم جاءت مشاكوس لتضع حلاً جزئياً وثنائياً خاصاً بقضية الجنوب، على اعتبار أن المجتمع الدولي فضل إيقاف الحرب كأسبقية لقضية التطور في السودان التي لا تهم المجتمع الدولي كثيراً. مشاكوس ونيفاشا حملتا في معالمهما الرئيسية ملامح مقررات اسمرا. فيما بعد ونتيجة لسياسات الحكومة وإصرار المجتمع الدولي حدث تفكيك لأزمة السودان في عدد من المنابر، فبعد نيفاشا أتى «اتفاق القاهرة».. وهو بطريقة أو بأخرى مبني على روح مقررات اسمرا. صحيح انه ليس بالنص المباشر، إلا أنها كانت هدف التجمع الدائم. والآن أبوجا وإعلان المبادئ أيضا يحمل ملامح اسمرا. الحركة السياسية السودانية نضجت لدرجة فهم الأزمة ومعرفة الحلول، وأصبحت لديها تجربة محترمة في تنظيم نفسها، بالرغم من أن الجبهة الإسلامية حينما أتت بانقلاب 30 يونيو 1989 كسرت كل «المواعين» المتمثلة في النقابات، الأحزاب والمنظمات المدنية، إلا أنني على ثقة بأن كل هذا سيتجمع مرة أخرى وبسرعة. لذلك فالخوف من أن يتحول السودان إلى صومال آخر خوف بعيد.. لأن الجميع متفق على تعريف الأزمة، ومتفق على ما هو الحل، وأيضا يملك الجميع الخبرة من تجربة تنظيم الصفوف. حتى ما حدث في دارفور لا يمثل انفلاتاً مثلما حدث في الصومال، هناك جماعات من طلائع الشعب في دارفور حملت السلاح لتنفيذ رؤيتها. والفهم الذي حدث في بعض وسائل الإعلام الخارجية بوصف ما حدث في دارفور بالانفلات هو فهم مسطح، فشعب دارفور وصل إلى قناعة بأن الديمقراطية ضرورية لبقاء السودان الواحد، السودان متعدد الأعراق، وهي قناعة لم تقتصر على شعب دارفور فقط، فنحن في التجمع الوطني حملنا السلاح. وحمل السلاح هنا ليس لإحداث فوضى، وإنما بهدف استعادة الديمقراطية والسير في طريق بناء سودان جديد وتجاوز أزمته. * د. الشفيع: السيناريوهان اللذان أشرت إليهما واردان، ولا يمكن لأحد أن يلغيهما. ولكن للوصول إلى أي الاحتمالين أقرب للحقيقة نتناول الخطوات والعوامل التي تقرب أو تباعد أي احتمال، وهي الحركة السياسية.في رأيي أن «اتفاق القاهرة»، وحتى اتفاق نيفاشا، دخلتهما القوى المتفاوضة من وجهات نظر متغايرة تماماً، فالحكومة دخلت التفاوض وفي ذهنها حل قضية السلطة أو البحث عما يمكن أن يؤدي إلى عدم التنازع حول السلطة. كثير جداً من الحكومات، حتى أشرسها ديكتاتورية، ترى في تثبيت وضعها بعض التنازلات وإلا لما ذهبت للتفاوض. على الجانب الآخر، نجد أن التجمع الوطني لا تمثل له السلطة الهدف الأساسي، ولا اعتقد أن هدفنا يمكن أن نخفيه وهو تفكيك النظام، وفي الوقت نفسه وضع لبنات لإعادة صياغة الدولة السودانية على أسس جديدة. وهذا هو جوهر فكرتنا في مقررات اسمرا، وهو جوهر ما دخلت به الحركة الشعبية في الإيقاد. ولكنني أرى أن كل التفاوض جاء في لحظة توازن قوى محددة، وهو توازن ضعف، بمعنى أن أيا من الطرفين لم يكن لديه القوة الكافية ليهزم الطرف الآخر، سواء في الحكومة أو المعارضة. وفي هذا النوع من التوازن دائما ما تكون الحلول ذات سمات متشابهة، بغض النظر عن الاختلافات الجوهرية هنا وهناك. تقديري أن الوضع الذي سينشأ في السودان هو وضع جديد ومختلف عن سابقه، وسيحرك عجلة جديدة، إن لم تكن متحركة، وعلى القوى السياسية بحث كيفية الحفاظ على حركة هذه العجلة بحيث تخرج احتمال التمزق والانفلات. * «البيان»: «العجلة» هذه تطلق جدلية احتمال ظهور قوى جديدة.. ما هي هذه القوى؟ * د. الشفيع خضر: القوى الجديدة هي الحركة السياسية السودانية نفسها القديمة وإنما بمعطيات جديدة. حتى الحركة الإسلامية التي كانت تحكم، لا أعتقد أنها ستظل هي نفسها كما كانت في 89. هناك وضع جديد ومناخ جديد وأطروحات ومفاهيم جديدة. فالحركات العسكرية التي تتم في الأطراف، أرى أنها تطرح قضية وكأننا سنعيش عصرا يعكس المسار الذي تعودنا عليه في السابق، حيث كان يبدأ التغيير في المركز ثم ينتشر إلى باقي الأطراف. الآن يبدأ بالأطراف ويحاصر المركز ليستجيب لهذا التغيير. لذلك فأنا أنظر بإيجابية للمطالب التي تقدمها الحركة في دارفور أو في شرق السودان أو أي منطقة أخرى، بغض النظر عن ردة الفعل العنيفة التي أدت إلى الإبادة.. الخ، وهذا يستوقفني للبحث عن أي حل يوقف هذه الإبادة ثم أواصل في مسيرة العجلة التي تحدث التغيير، لأنني لست من أنصار «فليمت الناس من أجل التغيير». أيضا ما يحدث في السودان الآن مختلف عما تعودنا عليه سابقا. ففي أعوام 1964 و1985 حدثت ثورات ضد حكومات عسكرية.. هذه الثورات أحدثت تغييرا فجائيا وأطاحت بنظام قديم وأتت بحكومات ديمقراطية حاولت أن ترسي للدولة أسسا جديدة، لكن المحاولات فشلت. الجديد في التغيير الآن أنه ليس انتفاضيا ولا فجائيا، وإنما هو تدريجي تشارك فيه أطراف الحركة السياسية. وبصفة عامة قبلت هذه الحركة أو لم تقبل فهي ضعيفة، الحاكمة، أو المعارضة، وهي إشكاليات موضوعية في تركيبة الحركة، لكن لديها من القدرة والعزم ما يجعلها تعيد نفسها بشكل جديد. الصراع السياسي الموجود في السودان في مناخ جديد يجعل المهمة أمامنا لتحقيق سيناريو الاستقرار وعدم التشرذم، هي الحفاظ على التحول الديمقراطي وطرح مشروع الإجماع الوطني على أساس أنه صمام الأمان. وفي الوقت نفسه هذان المشروعان لا يعنيان التغاضي عن المطالب المشروعة الموجودة، كقضيتي دارفور وشرق السودان. في رأيي أن هاتين القضيتين بعد 9 يوليو سيتم التعامل معهما من قبل السلطة المركزية بصورة مختلفة. فليس بالسهولة أن يتحالف المركز، معارضة أو حكومة، حول الرؤية القديمة التي كانت تنظر بها سلطة الإنقاذ تجاه دارفور، ك«صعاليك» يمكن إبادتهم ببعض الطلعات الجوية.
* علاقات «التجمع» العربية* «البيان»: العلاقات العربية ومصر تحديدا.. في السنوات الماضية كان العامل الدولي هو الأساسي بالنسبة لكم.. إلى أي مدى نجحتم في التجمع الوطني مع المحيط العربي..؟ * التوم هجو: لا نستطيع القول بأننا راضون عما حققناه على المحيط العربي، ولكن يمكن القول بأنه ما زال هناك الكثير المطلوب من المجتمع العربي، وكان يمكن أن يكون الواقع السياسي أفضل إلا أن المستقبل السياسي ما زال غامضا، لأن الاتفاقيات التي تمت في السودان كانت بعيدة عن الهدف الأسمى الذي نسعى إليه، وهو أن يكون السودان موحدا ودولة فاعلة. المكونات الموجودة الآن للأسف مزعجة، فنحن إما أن نتجاذب لتحقيق ما تبقى من أهداف، وإما أن يصبح هذا النظام دائما. في رأيي أن هذا النظام قدم تنازلات تكتيكية وليست جوهرية. والدليل تمسكه بأشياء ليست من حقوقه، ويعلم جيدا أنها ستظل عقبة أمام وحدة الصف السوداني والإجماع الوطني. فالجبهة الإسلامية عبر آخر قياس ديمقراطي حصلت على 5%، الآن هي تتمسك بـ 52% وهي تشكل الضلع الضعيف في «جبهة الإنقاذ» أو ما يسمى الجبهة الإسلامية. هذه نقطة جوهرية ظللنا في التجمع الوطني الديمقراطي نقنع بها الإخوة في مصر والعالم العربي حتى نصل إلى فهم مشترك، وأن القضية في السودان ليست قضية الحكم.. وما زال النظام مستعدا لإعطاء أي حزب يشاركه شريطة أن يسير معه في نفس النهج، والذي نراه نهجا مدمرا إن لم يوقف عند حده سيؤدي إلى زوال السودان كدولة موحدة. يجب أن يتذكر الجميع أن القوى الديمقراطية كانت قاب قوسين أو أدنى من حل مشكلة الجنوب باتفاقية لم يكن فيها بند تقرير المصير أو اقتسام للسلطة أو الثروة، وأجازها البرلمان الذي مثل كل الشعب السوداني، ولم يكن هناك من معترض غير النظام الموجود حاليا.. ومن وجهة نظر ليست سياسية أو ديمقراطية، وإنما وجهة نظر دينية بحتة (!). وحتى نطمئن على مستقبل السودان لا بد أن يتم عمل مشترك بين القوى الوطنية الحقيقية والقوى العربية الداعمة وعلى رأسها مصر، فسيبقى الهدف هو وحدة واستقرار السودان اللذين يمثلان الهدف المصيري لمصر. لأنه إذا ما حدث انفصال بين شمال وجنوب السودان فلن يقف عند هذا الحد، فدارفور ما زالت تفاوض والشرق غير معروف، وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وأبيي وضحت معالمها في نيفاشا. د. الشفيع: في رأيي أن ما حدث خلال الـ 16 سنة الماضية يعتبر فرصة لم تحدث من قبل فيما يتعلق بمحاولة تفهم مصر للمشكلة السودانية، ومهما قيمنا الاتفاق ومهما كانت السلبيات التي يحتويها إلا أن هناك حقيقتين ستظلان موجودتين، وهما: أن مصر الرسمية، القيادة لعبت دورا مثاليا وإيجابيا من أجل إحداث تغيير في السودان، بغض النظر عما إذا كان هذا الدور مرضيا بالنسبة لي أو لغيري أو لثالث. الحقيقة الثانية أن مصر كقيادة وحكومة تعاملت مع كل ألوان الطيف السياسي السوداني بطريقة جديدة وعائدها سيكون إيجابيا. وبالتالي أنا كممثل لقوى سياسية أشعر برضا كبير عن دور مصر الرسمي تجاهي.. على المستوى الشعبي، لا أعتقد أن هناك أي سوداني سينسى أن الشعب المصري استضاف أعدادا هائلة من الشعب السوداني، قاسمهم لقمة العيش، والتعليم والخدمات.. الخ. ولا يوجد شارع في مصر لا تجد فيه سودانيا. هاتان النقطتان مهمتان للغاية، لأنهما مستقبلا ستساهمان في تفهم الشخصية السودانية، العادية والسياسية.. وكيف تؤثر العادية على السياسية. لأنه وفي مستوى ثالث حدث تطور في العلاقات الشعبية والرسمية، وإن كانت الشكوى مستمرة من أنها ليست بالمستوى المطلوب بين الأحزاب المصرية والسودانية، ولكن هناك علاقة مؤكد أنها أفضل مما كانت عليه في الماضي. هذا يجعلنا على الفور نلتقط القفاز لنتحدث عن التكامل المصري السوداني، فبدلا من أن يكون تكاملا بالمعنى البيروقراطي وينحصر في الفرض من السلطة.. وبالتالي أي من الطرفين يصر على الدفاع عن السلطة أيا كان رأي الشعب فيها، اعتقد أنه آن الأوان لأن ينبع هذا التكامل من أسفل، بمعني المستوى الجماهيري والشعبي والقاعدي، لأن التكامل في النهاية لمصلحة المواطن، والمواطن هو أحسن من يصوغ مطالبه ويمكنه حماية هذا التكامل بغض النظر عن الحكومة الموجودة في مصر أو في السودان. ويمكن لهذه العملية أن تقودها المؤسسات المدنية بما فيها الأحزاب في السودان ومصر، عبر إبداع جديد وتشخيص جديد، ??دلا من حصر الأمر في بعض الموظفين هنا وهناك. * «البيان»: الحضور السوداني الشعبي الكبير في الخليج كان له دور، ليس فقط اقتصاديا وإنما أيضا سياسياً.. قوة الجبهة القومية الإسلامية جاءت من الطبقة الوسطي التي عاشت في الخليج وتبنت رؤاها.. الآن تركيبة الموجودين في الخليج مختلفة.. إلى أي حد خاطبتم هؤلاء؟ وما هو التصور لدور الجسر السوداني الخليجي في الاستثمار وتنمية الأطراف؟ * أبو عيسي: تقريبا كل الحكومات العربية خلال الـ 16 سنة التي عاشها نظام الإنقاذ، فيما عدا القليلين الذين كانوا يرون في سياسات هذا النظام سياسات معادية للامبريالية والصهيونية.. الجميع تقريبا كانت سياسته التقليدية هي أن يكونوا على وئام مع من يحكم في السودان باعتبار أنه بعيد عن المشاكل والتعقيدات والتنافسات العربية. هذه المرة، نجد أن هذه الحكومات والنظم بعد عام واحد من حكم الجبهة تحولوا إلى أعداء لها نتيجة لسياساتها المتمثلة في تصدير الثورة الإسلامية إلى الجيران، وهذا هدف شمل كل الأقطار بدءا من الجزائر، إلى المغرب، إلى تونس.. واستمرت المسألة ولم يكن لهم من نصير ??ي هذه السياسات إلا نظام العراق تحت حكم صدام، وقليل من تأييد سوريا وليبيا لفترات. موقف مصر وقيامها بتسويق هذا النظام للعالم والعرب في العام الأول منه جعل كل العرب يقفون معه، لكن بعد أن كشف عن وجهه الحقيقي واستهدافه لكل العالم العربي عبر أجندتهم ومشروعهم الحضاري، ومحاولتهم تصفية النظام المصري عبر محاولة اغتيال الرئيس مبارك.. هذا كان له آثار مادية في كثير من البلاد، مما أدى لإنهاء العلاقات. هذا الغضب العربي حاولنا الاستفادة منه، وتحويل سياسات النظام نحو هذه الدول إلى داعم لنا. لكن هذه النظم بطبيعتها المعروفة، غير قابلة للتعامل مع معارضات، أيا كان نوع هذه المعارضة، خصوصا إذا كانت مثل التجمع الوطني الذي يطرح ويعمق فكرة التحول الديمقراطي والتعددية وتصفية ترسانات القوانين.. وهنا يجب الاعتراف بأننا كنا نجد تعاطفا، وفي بعض الأحيان الدعم الأدبي وبعض الأحيان المادي «قليل جدا» من بعض هذه الدول. الخليج، ولفترة طويلة قبل وبعد هذا النظام، مثل مصدرا لإعاشة كثير من الأسر السودانية، خصوصا الطبقة الوسطي. فتأسست علاقة عميقة قامت على الاحترام والثقة في قدرات الفرد السوداني أيا كان اختصاصه، لكن للأسف لم يحدث تثمين لهذا، وكان يمكن أن يشكل ثورة للتطور والتنمية في السودان، وفي رأيي أن السبب كان عدم الاستقرار السياسي في السودان. بالنسبة لنا كسودانيين فإن مصر حالة خاصة، وفي ضمير أي سوداني هناك تقدير خاص للعلاقة مع دول الخليج دون سائر العرب. وهذا ناتج للتداخل بأشكاله المختلفة. * د. الشفيع: هناك نقطتان في اتجاه هذا الحديث يمكن أن تمثلا تربة صالحة للتنمية، واحدة ايجابية، وأخرى سلبية. الناحية الايجابية أن الخليج يعرف السوداني بمشاركته المباشرة في دواليب العمل المختلفة في الخليج، وبالتالي هناك سمعة طيبة للكفاءة السودانية.الجانب السلبي الذي يجب التخلص منه هو استشراء الفساد في السودان، أقصد الفساد النابع من سوء استخدام مال الدولة. إذا نجحنا في تحجيم هذا الفساد، والاستفادة من الصورة الطيبة للسوداني اعتقد أننا يمكن أن ننطلق لجهتين. الجهة الأولى هي أن هناك كفاءات كبيرة يحتاج لها السودان، وشردت منه، مثلا عدد القضاة المفصولين والموجودين في الخليج هم وحدهم يمكن أن يشكلوا جهازا قضائيا كاملا. ناهيك عن الخبرة، والدليل أن المذكرات وصياغة المواد القانونية التي وردت في وثائقنا كانت بمشاركتهم، وبالتالي السؤال المباشر: كيف يمكن أن نستفيد من هؤلاء الكوادر في الرجوع مقابل استمرار الخليج في دفع رواتبهم، على الأقل في الفترة الانتقالية، وهذه قضية تم طرحها في ورقتنا الاقتصادية، لأن أي مواطن سوداني من حقه حياة كريمة. الجهة الثانية.. كيف يمكن أن نعطي سياسات تفضيلية فيما يخص الاستثمار في السودان في مقابل المقومات والمميزات التي يملكها الخليج؟ هناك تاريخ مشرف في التعامل مع الخليج، فمثلا الشيخ زايد ـ رحمه الله ـ قدم مبادرة لحل القضية السودانية، هناك كثيرون لا يعرفون تفاصيلها.. والكويت لها شهرة في لعب دور كبير في تنمية الجنوب، حتى الشيخ عبد الله الثريا كان يقيم هناك فترات طويلة، كان موظفا تحول إلى سفير نظير ما قام به. تقريبا أي بيت في السودان يعيش من أموال تأتي من الخليج، لذلك فإن النفسية السودانية جاهزة لإعطاء أفضلية للخليج في الاستثمار لصالح التنمية في السودان.
* قلق على المستقبل* «البيان»: هل يمكن تسيير جهاز دولة في ظل سلطة جديدة ذات طبيعة متنافرة ومزدوجة.. وقد يغيب عنها التوازن وتحكمها رؤى عالمية متصادمة إلى حد بعيد؟.. فهذا سبب كاف للقلق على مستقبل السلام في السودان خاصة في غياب دستور يؤمن ويحمي الحريات العامة وينقل السودان الجديد إلى نظام ديمقراطي.. * أبو عيسي: يدخل السودان في مرحلة تمثل كل الأطروحات قضايا حالة في الحراك السوداني.. قضية المرحلة الجديدة التي يقبل عليها السودان الآن، والإجراءات العديدة المتفرقة التي تمت في الفترة الأخيرة والتي أردنا نحن في التجمع أن تتم كحزمة واحدة وفي منبر واحد. لكن الموقف الرسمي لحكومة الخرطوم حال دون ذلك، وموقف المجتمع الدولي المتمثل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول «الإيقاد» أيضا أسهم في الحيلولة دون ذلك، والذي أدى بنا للتعامل مع القضية السودانية عبر منابر مختلفة، وهذا له سلبياته التي تؤثر سلبا على مجرى التطور في المستقبل القريب في السودان. أوافق د. محمد في طرحه، بأن نستصحب معنا في هذا الشأن البعد العربي والمصري والأفريقي، فأنا على قناعة بأن السودان جزء من الأمة العربية بقدر ما هو جزء من الأمم الأفريقية، وهو يؤثر ويتأثر سلبا وإيجابا فيما يجري في هذين المحيطين، خاصة ونحن نتحدث عن العولمة والتداخل الأممي في كل القضايا وأمهاتها، خاصة الاقتصاد والثقافة.. الخ. كثير من المفكرين والمراقبين يريدون أن يسلخوا السودان من هذين البعدين، ويتعاملون معه في حل قضيته فقط وأزمته القديمة ـ الجديدة التي بدأت منذ الاستقلال ولكنها تعمقت على يد الجبهة الإسلامية في الـ 16 سنة الأخيرة. يريدون أن يسلخوه من هذه اللحمة العربية والأفريقية والتعامل معه وكأنه منبت لا صلة له بهذين البعدين. في رأيي أن هذا يضر بالسودان ولا يمثل الواقع، لأن السودان في النهاية هو جسم حي يتأثر بما حوله ويؤثر فيه، ولذلك لا يمكن الحديث عن تطوره بعيدا عن التعقيدات الدولية بعد وحدانية القطب. ومسألة العولمة وسيادة قيم السوق الحر، كل هذا سيؤثر في السودان بالطبع وفي الم??تقبل القريب. نحن في التجمع الوطني الديمقراطي، عندما نتحدث عن الحلول اللازمة للأزمة السودانية نهتم بما يتعارف عليه الناس بالعلاقات الخارجية أو السياسية الخارجية، وليس مقصودا التسميات بقدر ما هو مقصود هذا البعد، وهذه العلاقة بالإقليمي والدولي. أيضا ليس صدفة أن يكون الاتفاق الذي نتحدث عنه الآن ويثير كل هذه الأسئلة هو اتفاق تم في القاهرة، العنصر المصري فيه موجود، سلبا وإيجابا. ولذلك أيضا فمحاولة عزل الأمور عن بعضها غير واقعية، لأن هذه الأسئلة مرتبطة ب«اتفاق القاهرة» الذي كانت فيه مصر هي الوسيط أو الشريك.. أي هي طرف مؤثر فيه.. وهذا يقتضي حتى في المستقبل القريب، التركيز على تنمية هذه العلاقة الخاصة في السودان، وتأثيره إفريقيا باعتباره الجسر الذي يربط بين الأمة العربية والشعوب الأفريقية. وهذا عنصر مهم وإيجابي في مصلحة تطور السودان في الفترة المقبلة. * «البيان»: الصراع لم يكن أبدا حول الإسلام وإنما حول إساءة استخدام الإسلام في الحكم.. شعب السودان والشعوب في الخليج لديهم تراث إسلامي عريق، هل لديكم رؤية لتحسين تلك الصورة التي قدمتها تجربة الإسلام السياسي التي عاشها السودان لمدة 16 عاما؟ * التوم هجو: الأزهر الشريف يمثل نموذجا يجب الاقتداء به في المنطقة العربية. بالنسبة لنا في السودان دخل الإسلام بطريقة طوعية وبالقدوة الحسنة، وانتشر في كل أنحائه دون إراقة دماء.النموذج الإسلامي الذي تبنته الجبهة الإسلامية هو نموذج دخيل لا علاقة له لا بالتركيبة أو القاعدة الإسلامية في السودان، والتي يمكن أن نطلق عليها «قاعدة صوفية».. وبالرغم من أننا كشعب سوداني دفعنا ثمنا غاليا من هذا النموذج، إلا أننا نتمنى أن يستفيد كل العالم الإسلامي من هذه التجربة.. لأنه أول تنظيم ادعى ـ حسب وجهة نظره ـ أن الرؤية والإيديولوجية الإسلامية هي الحل لكل المشاكل، وأثبت فشله بعد 16 عاما من خوضه كل التجارب منفردا في فرض الخيار الحضاري، حتى فشل في أن يستمر كمجموعة مشتركة.. ناهيك عن فشل محاولتهم في الحفاظ على وحدة السودان أو تطويره. حتى مشكلة الجنوب لم يبرز فيها العنصر الإسلامي إلا بعد مجيء هؤلاء للسلطة، والدليل أنه طوال سنوات الحرب السابقة لم ينزح الجنوبيون إلى خارج السودان وإنما إلى مناطق الشمال المسلمة.تجربة الإسلام السياسي في السودان أثبتت فشلها التام، ولم يكن في تاريخ السودان أي إسلام سياسي، حتى المهدية لم تستخدم الإسلام في الحكم وكان تركيزها لاستنهاض المسلمين لمحاربة المستعمر فقط، لكن لم تحاول أن تحارب المسلمين الآخرين. حقيقة نموذج الإسلام القديم في السودان كاف، نملك رؤية صمدت مئات السنين وجمعت الشعب السوداني بتعدد أعراقه، ولدينا مفاهيم متأصلة في الطرق الصوفية سواء في مصر أو السودان.يجب ألا يكون المطلوب إسقاط الدين من حياة الناس. تاريخ السودان السياسي والديني مر بمرحلتين: هناك مرحلة ايجابية، وأخرى سلبية تماما تمثلت في محاولة فرض وجهة نظر دينية محددة على كل التيارات الدينية واللادينية، ومحاولتهم إعادة صياغة المجتمع على أسس إيديولوجية دينية. نعم كانت هناك شعارات انتخابية في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي، وعن الدستور الإسلامي، ولكنها كانت مجرد شعارات انتخابية لم تفرض على أحد أي شيء. في رأيي أن ضرورة فصل الدين عن السياسة وضحت تماما بالتجربة التي مر بها السودان. لكن يجب ألا يعمم أن أي استخدام للدين هو شيء ضار بحياة الناس. نعم الدين جاء لتنظيم حياة البشر ولكن أهل الإنقاذ استخدموه لأغراضهم. فكل من لم يؤمن بمنهجهم في الدين ليس له حق في الوظيفة أو الحياة ويفقد حقوقه كمواطن. وهناك المئات الذين فصلوا على أساس ديني، والقوات المسلحة أيضا صفيت قياداتها على أساس ديني.. وهذا مرفوض، وهذا هو ما نقصده حينما نتحدث عن فصل الدين عن الدولة. * فاروق أبو عيسي: قضية استغلال الدين في السياسة أحد مسببات الأزمة في السودان، والدليل أنها شخصت في «مقررات أسمرا» وأصبحت جزءا من برامجنا. صحيح أن أحزابنا الكبيرة تنتهج إسلاما صوفيا، وهو ما حمى التجمع الوطني من رفض وجود هذه الأحزاب التي تعرف بتدينها. ومن ضمن مطالب أهل دارفور في أبوجا فصل الدين عن السياسة، وفي رأيي أن أحد عيوب اتفاق مشاكوس هو سماحه باستغلال الدين في السياسة، وتقسيم السودان على أساس ديني. قضية الدين تبقى أحد مكونات الأزمة، واعتقد أن التجمع الوطني قطع مشوارا طويلا، فوجود السيد الميرغني ـ وهو زعيم ديني ـ في رأس التجمع ساعد أيضا، ففي نيروبي 1994 وجدنا صيغة لحل أزمة الدين والدولة دون إحداث شروخات هنا أو هناك في أطراف التجمع، وهى أن تكون المرجعيات فيما يخص حقوق الناس هي المرجعيات الإنسانية الدولية، وأن يكون الأساس في العلاقة بين الفرد والدولة هو الحق في المواطنة، بغض النظر عن الخلافات الدينية والعرقية.. إلخ. * د. الشفيع خضر: أرى هذا السؤال مهما للغاية.. ويرتبط بكيفية إدخال هذا العامل الديني واستخدامه، لأنه مثل واحدا من الشعارات الكبيرة التي رفعت خلال الـ 16 عاما الماضية واستخدمت في إعادة صياغة المواطن السوداني. وكأن السودان قبل انقلاب يونيو 89 كان في الجاهلية، في حين أننا كنا نملك إسلاما بطعم سوداني. لم يكن شاذا وإنما كان عاملا أساسيا من مكونات الشخصية السودانية، وبالتالي الدين الإسلامي مكون أساسي في الوجدان السوداني، ويستحيل الحديث عنه بلغة نعم أو لا. ما نريد قوله، إننا الآن في مرحلة تشكل، والإسلام مع عوامل أخرى في السودان هو عامل من عوامل الوحدة، وساهم في تشكيل السودان بالشكل الجغرافي الذي نعرفه. لذا فمن الممكن لهذا العامل الوجداني الذي يحمل القيم السمحة أن يتم استخدامه عبر إتاحة مساحات لتفجر هذه القيم وعبر محاذير تمنع إساءة استخدامها. مثلا نحن ضد إدخال مفهوم الأغلبية والأقلية فيما يخص العلاقة بالدين. إذا قلنا إن السودان أغلبيته مسلمة وأقليته غير مسلمة لا ينفع الدخول في هذا الجدل، لأن غير المسلم سيظل غير مسلم وسيدافع عن وجدانه بحيث يحدث التصادم. لذا أدخلنا مفهوم التراضي الديني وترجمناه لأشياء بسيطة للغاية، وتحقق جزء كبير من الحديث الذي أشير إليه في حرية البحث والاجتهاد. _________________رجا العباسي