news & views

Friday, December 30, 2005

ماساة السودانيين بالقاهرة

20
قتيلا بين اللاجئين السودانيين في القاهرةأحاطت الشرطة بالنازحين، وبينهم نساء وأطفال قالت وزارة الداخلية
المصرية إن عشرين مهاجرا سودانيين من بينهم أطفال قتلوا بعد اقتحام الشرطة المصرية لمخيم مؤقت نصبوه أثناء اعتصامهم لمدة ثلاثة شهور في حي المهندسين بالجيزة. وأطلقت شرطة مكافحة الشغب مدافع المياه على المتظاهرين السودانيين الذين رفضوا مغادرة المخيم، المقام منذ سبتمبر أيلول بالقرب من مقر الأمم المتحدة. وقالت تقارير إن تدافعا حدث عندما أجبرت الشرطة المئات منهم على ركوب حافلات. ويطالب المهاجرون المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بنقلهم إلى بلد يعيشون فيه في ظروف أفضل. وفي جنيف قال المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين انطونيو جوتيريس إنه "مصدوم" من وقوع قتلى. وأضاف: "لا يوجد ما يبرر هذا العنف أو وقوع قتلى." وقد تم نقل نحو 1200 لاجئ إلى ثكنة عسكرية في منطقة طرة التي تقع على بعد 20 كيلومترا جنوب القاهرة. وقالت لاجئة سودانية تدعى هنادي لبي بي سي العربية: " لا نعرف حتى الآن أين نحن، لكن البعض شاهد لافتات كتب عليها امن طرة. كل ما نعرفه هو أن المنطقة الموجودين فيها حاليا هي أرض جيرية." وأضافت: "مصيرنا مجهول ونعيش في سجن كبير وهناك عدد كبير من المصابين خاصة من الأطفال والنساء." وكان الآلاف من قوات الشرطة المسلحين بالعصي والدروع قد اقتحموا متنزها صغيرا كان المهاجرون يعتصمون به حوالي الساعة الخامسة صباحا (الثالثة صباحا بتوقيت جرينتش). وقالت وزارة الداخلية المصرية: "حدث تدافع أسفر عن إصابة 30 متظاهرا غالبيتهم من كبار السن والأطفال، ونقلوا فورا إلى مستشفى حيث توفي عشرة منهم." وأضافت الوزارة إن 23 شرطيا أصيبوا، كما اتهمت قادة المهاجرين بالتحريض على مهاجمة الشرطة. وتابع البيان: "بذلت جهود لإقناعهم بالتفرق لكنها لم تثمر." وقال شهود عيان إن المهاجرين ومن بينهم أطفال ونساء تم جذبهم إلى الحافلات في حين كانوا يقاومون مغادرة المعسكر. وقال أحد المتظاهرين: "إنهم يحاولون قتلنا. مطالبنا مشروعة، من حقنا التظاهر هنا،هذا هو الحق الوحيد الذي نملكه." مطالب المتظاهرين ويعيش ما يصل إلى ثلاثة آلاف متظاهر في المخيم منذ إقامته في 29 سبتمبر أيلول. وبدأ الاعتصام منذ أن أوقفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المساعدات التي كانت تقدمها لمن تقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء، لكن طلباتهم رفضت. وقالت استريد ستورت المتحدثة باسم المفوضية العليا في القاهرة لبي بي سي إن المفوضية عرضت على المهاجرين كل ما تستطيع تقديمه لهم. وأضافت: "حاولنا إقناعهم بإمكانية تحقيق بعض مطالبهم، وبأن البعض الآخر يستحيل تحقيقه." ومنذ إقامة المخيم، توفي عدد من الأشخاص، كما ولد عدد من الأطفال، وينام الكثير من المعتصمين في الهواء الطلق. إنهم يحاولون قتلنا. مطالبنا مشروعة، من حقنا التظاهر هنا،هذا هو الحق الوحيد الذي نملكه وتقول مفوضية اللاجئين إن عليها ترتيب أولوياتها بتقديم المساعدات لمن يواجهون خطر الاضطهاد الحقيقي ولا يمكنها حل مشكلة التمييز والحرمان في مصر، التي توجد بها نسبة بطالة مرتفعة. وتعتقد المفوضية إن غالبية المتظاهرين هم من يطلق عليهم مهاجرون اقتصاديون يغادرون بلادهم بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل، وليسوا مهاجرين يفرون من الاضطهاد، وهو ما يعني أنه لا يمكن منحهم صفة اللاجئين. لكن الكثير من المتظاهرين يجادلون بأنه لا يمكنهم العودة إلى السودان لخطورة الوضع هناك، على الرغم من توقيع اتفاق سلام قبل نحو عام أنهى 21 عاما من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. وكان
نزاع منفصل في إقليم دارفور بغرب السودان قد شرد نحو مليوني شخص وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف

Thursday, December 22, 2005

هيومن رايتس ووتش تطالب الأمم المتحدة بوضع كبار القادة السودانيين على لائحة العقوبات

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
12/12/2005
7:27
ص تقريراخباري/ تيم نيوزـ
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم في تقريرٍ جديد نُشر قُبيل قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن دارفور أنه يجب التحقيق مع الرئيس السوداني عمر البشير وغيره من كبار المسؤولين في الجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ويجب وضعهم على لائحة عقوبات الأمم المتحدة. ومن المقرر أن يُطلع مدّعي المحكمة الجنائية الدولية مجلس الأمن غداً على نتائج تحقيقاته في فظائع دارفور.ويوثِّق التقرير الواقع في 85 صفحة، والمعنون "منهجية الإفلات من العقاب: مسؤولية الحكومة عن الجرائم الدولية في دارفور"، لدور أكثر من 12 مسؤول مدني وعسكري (مذكورين بأسمائهم) في استخدام ميليشيا الجانجاويد وتنسيق عملها، وفي استخدام القوات المسلحة السودانية، لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور منذ أواسط عام 2003. (تجد أدناه قائمة جزئية بالأشخاص الذين يجب أن تحقق المحكمة الجنائية الدولية معهم).
قال بيتر تاكيرامبودي، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لقد ترافقت الهجمات المنهجية التي شنتها الحكومة السودانية ضد المدنيين في دارفور مع سياسات أدت إلى إفلات جميع المسؤولين عن تلك الجرائم من العقاب. ويجب محاسبة كبار المسؤولين السودانيين، بمن فيهم الرئيس عمر البشير، على حملة التطهير العرقي في دارفور".
ويصف تقرير هيومن رايتس ووتش العملية التي تكررت في أنحاء دارفور والتي يتعاون فيها قادة الميليشيا مع المسؤولين المحليين والقادة العسكريين ويجتمعون لتنسيق استراتيجيتهم قبل شن الهجمات على القرى والبلدات. وفي أوائل عام 2004، كان من الواضح، حتى بالنسبة لبعض الجنود، أن المدنيين هم الهدف. فقد قال أحد الجنود السابقين لهيومن رايتس ووتش أن قائده أجابه رداً على احتجاجه: "عليك أن تهاجم المدنيين".
وقالت هيومن رايتس ووتش أن أعمال نهب القرى وتخريبها لم تكن تجري بتغاضٍ من جانب مسؤولي الحكومة فحسب، بل كان يجري تنظيمها منهجياً مع السماح للجنود وعناصر الميليشيا بالاستيلاء على الأرض والماشية والممتلكات المدنية الأخرى. كما لعب كبار المسؤولين السودانيين، انطلاقاً من الخرطوم، دوراً مباشراً في تنسيق الهجمات (وخاصةً حملة القصف الجوي). ويدرس التقرير أيضاً السجل السيء للحكومة السودانية فيما يخص المحاسبة؛ فبرغم قيام الحكومة السودانية بعددٍ من المبادرات (ومنها تحقيق وطني في الجرائم)، وتشكيل عدد من اللجان للتحقيق في الاغتصاب والجرائم الأخرى، وتعيين محكمة وطنية لمحاكمة مرتكبي الجرائم في دارفور، فإن أي مسؤول مدني أو عسكري، أو أي قائد ميليشيا، ذا موقعٍ متوسطٍ أو رفيع، لم يتم وقفه عن العمل أو التحقيق معه أو محاكمته.
قال تاكيرامبودي: "تدّعي الحكومة السودانية الاستجابة للمطالبة الدولية عن طريق إنشاء لجان لا تفضي إلى أية نتيجة. إن على المحكمة الجنائية الدولية أن تحقق مع المسؤولين الأساسيين على كل مستوى من المستويات، بمن فيهم مسؤولي المحافظات". يستند التقرير إلى روايات مئات شهود العيان، وإلى أكثر من عشر تحقيقات أجرتها هيومن رايتس ووتش في تشاد ودارفور، وإلى وثائق الحكومة السودانية إضافةً إلى مصادر أخرى. وهو يكشف عن الاستراتيجية والآلية الكامنتين خلف حملة القمع الضخمة التي شنتها الحكومة السودانية ضد الجماعات المتمردة في دارفور أوائل عام 2003. وفي هذه الحملة قامت القوات الحكومية وميليشيا الجانجاويد التي تدعمها الحكومة بقتل واغتصاب وتعذيب عشرات الألوف من الناس، وخاصةً ممن يشاطرون الحركات المتمردة انتماءاتها الإثنية؛ كما هجّرت قسرياً أكثر من مليوني شخص ونهبت أو خربت جميع ممتلكاتهم.
يتلقى مجلس الأمن في ديسمبر/كانون الأول ثلاثة تقارير بشأن دارفور: تقرير هيئة الخبراء التابعة للجنة العقوبات وتوصياتها؛ والتقرير الشهري للأمين العام للأمم المتحدة؛ والإيجاز الذي يقدمه مدّعي المحكمة الجنائية الدولية. وقد أحال مجلس الأمن قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في شهر مارس/آذار، وفتح مدّعي المحكمة تحقيقاً فيها في 6 يونيو/حزيران.
ومع أن مجلس الأمن وضع في مارس/آذار 2005 آليةً لتنفيذ حظر جزئي على الأسلحة ولفرض العقوبات على الأشخاص الذين يرتكبون الانتهاكات، فإن الأمم المتحدة لم تفرض عقوبات على أي شخص حتى الآن.
قال تاكيرامبودي: "منذ تسعة أشهر، أنشأ مجلس الأمن لجنة العقوبات لمعاقبة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات في دارفور، لكنها لم تفعل شيئاً بحق أي شخص حتى اليوم. إن على هذه اللجنة أن تتحرك الآن إذا كان مجلس الأمن يرغب برؤية تقدمٍ حقيقي". كما دعت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن إلى تقديم مزيد من الدعم لقوات الاتحاد الأفريقي في السودان (AMIS) والتي نشرت قرابة 7000 عنصراً في دارفور، وذلك لتمكينها من تقديم حماية فعالة للمدنيين هناك.
لا يقوم الاتحاد الأفريقي بنشر قواته في دارفور فحسب، بل هو يتفاوض على اتفاق سلام بين الحكومة السودانية وبين جماعات المتمردين في دارفور. وعلى الرغم من استمرار تورط الحكومة السودانية في الجرائم المتواصلة في دارفور، فإن الاتحاد الأفريقي قد سمح للسودان باستضافة القمة الأفريقية في الخرطوم. كما يجب انتخاب رئيس جديد للاتحاد الأفريقي، وثمة مؤشرات تدل على أن الرئيس عمر البشير قد يفوز بهذا المنصب.
قال تاكيرامبودي: "إن عقد القمة الأفريقية في الخرطوم أمرٌ سيء بما يكفي، وأما منح الرئيس عمر البشير، الذي سوف يُحقق معه في جرائم الحرب، منصب رئاسة الاتحاد الأفريقي فمن شأنه أن يكون مهزلة".
قائمة جزئية بالأشخاص الذين يجب أن تُحقق معهم المحكمة الجنائية الدولية
ليست هذه بقائمةٍ شاملة لجميع الأشخاص الذين يُحتمل أن يكونوا مسؤولين عن الجرائم في دارفور. وتُقدم هذه القائمة كخلاصة عن الأشخاص المذكورين في هذا التقرير والذين جرت التوصية بأن تحقق معهم المحكمة الجنائية الدولية، لكن ثمة أشخاصاً آخرين لم ترد أسماؤهم في هذا التقرير ويجب التحقيق معهم وملاحقتهم قضائياً بسبب جرائم دارفور.
مسؤولون على المستوى الوطني:
• الرئيس عمر البشير.
• النائب الثاني للرئيس علي عثمان طه: كان النائب الأول للرئيس حتى أواخر عام 2005.
• الفريق عبد الرحيم محمد حسين: وزير الداخلية السابق، وممثل الرئيس في دارفور في فترة 2003 – 2004؛ وهو وزير الدفاع الآن.
• اللواء الركن بكري حسن صالح: وزير الدفاع السابق، ويشغل الآن منصب وزير شؤون رئاسة الجمهورية. • الفريق عباس عربي: رئيس أركان القوات المسلحة السودانية. •
اللواء صلاح عبد الله غوش: مدير الأمن والمخابرات العسكرية. •
أحمد هارون: وزير الدولة لشؤون الداخلية سابقاً، وهو مسؤول عن ملف دارفور ضمن وزارة الداخلية؛ أما الآن فهو وزير دولة للشؤون الإنسانية.
مسؤولون إقليميون حاليون وسابقون: لقد أدرجت أسماء الأشخاص المذكورين أدناه لأنهم (وكما يوضح نص التقرير) من كبار المسؤولين الحكوميين في مناطقهم أو ولاياتهم، أو لأنهم كانوا كذلك عندما ارتكبت القوات الحكومية الجرائم التي ترقى لمنزلة جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.
• الطيب عبد الله تورشين: المسؤول السابق عن موكجار، 2003 – 2005. •
الحاج عطا المنان إدريس: والي جنوب دارفور منذ أواسط 2004 حتى الآن.
• جعفر عبد الحق: المسؤول عن غرسيلا حتى أبريل/نيسان 2004، وهو الآن والي غرب دارفور. •
الفريق الركن آدم حامد موسى: والي جنوب دارفور من أواسط عام 2003 حتى أواسط عام 2004. •
الفريق عبد الله صافي النور: طيار حربي سابق، والوالي السابق لشمال دارفور بين عامي 2000 – 2001، ووزير اتحادي في الخرطوم في عامي 2003 – 2004. ويُدّعى بأنه متورطٌ في قيادة العمليات الجوية وفي إمداد الميليشيات بالأسلحة. القيادات الميدانية العسكرية:
• اللواء أحمد الحجير محمد: قائد قوات اللواء 16 مشاة الذي استخدم لمهاجمة قرى مارلا وإشما ولابادو في ديسمبر/كانون الأول 2004. •
الفريق الهادي آدم حامد: قائد "حرس الحدود"؛ وهو صلة الارتباط الرئيسية مع ميليشيا الجانجاويد.
• العميد عبد الواحد سعيد علي سعيد: قائد كتيبة مخابرات الحدود الثانية المتمركزة في المسترية، والتي دعمت العمليات العسكرية في قبقابية وحولها.
• الرائد قدال فضل الله: قائد عسكري في كوتوم تتحمل قواته مسؤولية كثير من الهجمات ضد المدنيين، ومسؤولية تدمير القرى ونهب ممتلكات المدنيين.
القادة العسكريون:
• "أبو عشرين": وهو الاسم الحركي لعبد الله صالح سبيل، وهو من بني حسين في منطقة قبقابية ويبلغ عمره 48 عاماً. كما يستخدم أحياناً اسم عبد الله داغاش. وهو على صلة بنزير الغادي آدم حامد شقيق الفريق الهادي آدم حامد. ويحمل رتبة عريف أو رقيب، ويقود قوة ميليشيا متمركزة في قبقابية.
• الشيخ موسى هلال: يقول كثيرٌ من شهود العيان أنهم شاهدوا الشيخ موسى هلال أثناء هجماتٍ متعددة بشمال دارفور ارتكبت فيها جرائم خطيرة، ومنها الاغتصاب والقتل والتعذيب. كما تعرف كثيرٌ من الشهود (ومنهم أعضاء سابقون في القوات المسلحة السودانية) عليه بوصفه منسقاً ومُجَنِّداً أساسياً للميليشيا. •
"علي كشيب": وهو الاسم الحركي لعلي محمد علي. وقد كان أحد القادة الأساسيين للهجمات ضد القرى حول مكجار وبنديزي وغرسيلا في فترة 2003 – 2004. وقد تعرف عليه كثيرٌ من الشهود بصفته أحد قادة العمليات في مارس/آذار 2004 التي جرى خلالها إعدام مئات الرجال حول الدليج وغرسيلا ومكجار.
• مصطفى أبو نوبة: أحد شيوخ عشيرة الرزيقات بجنوب دارفور. ويُدّعى بأنه مسؤول عن كثير من الهجمات ضد القرى بجنوب دارفور، ومنها الهجوم على كايلا ونهبها. •
نزير التجاني عبد القادر: من الزعماء العشائريين لميليشيا المصرية المتمركزة في نيتيغا بجنوب دارفور. ويُدّعى بأنه مسؤول عن مهاجمة قرية خور أبيش في 7 أبريل/نيسان 2005، وعن هجماتٍ أخرى في المنطقة.
• محمد حمدان: أحد قادة ميليشيا الرزيقات، ويُدّعى أنه متورطٌ في الهجوم على أدواه ونهبها في نوفمبر/تشرين الثاني 2004.

Sunday, December 11, 2005

ثورة المحافظين الجدد:المثقفوت اليهود وتشكيل السياسة العامة بقلم علاء بيومي



ثورة المحافظين الجدد: المثقفون اليهود وتشكيل السياسة العامة
بقلم: علاء بيومي الناشر: الجزيرة نت، 17 أكتوبر 2005،
حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
من الصعب على أي عرض – مهما بلغت كفاءته - أن يغني القارئ الجاد المهتم بفهم خصائص ونفوذ تيار المحافظين الجدد عن قراءة كتاب "ثورة المحافظين الجدد: المثقفون اليهود وتشكيل السياسة العامة" الصادر في مايو الماضي عن مطابع جامعة كامبريدج العريقة للناشط والمؤرخ اليهودي الأمريكي موري فريدمان
فالكتاب يختلف كثيرا عن غالبية الكتب المطروحة بالأسواق الأمريكية عن المحافظين الجدد، وذلك لعدة أسباب، أولها أن مؤلف الكتاب – كما يذكر في مقدمة دراسته – متعاطف مع أفكار المحافظين الجدد مما يجعله مدفوعا لشرح أفكارهم وتاريخهم وتأثيرهم وإيضاحه كل ما سبق للقارئ بعكس الكتابات الأخرى الناقدة للمحافظين الجدد والتي تنشغل بالنقد عن الفهم والشرح والتحليل
السبب الثاني هو انتماء الكتاب لفئة المؤلفات المعنية بتتبع تاريخ الأفكار وتاريخ الحركات الفكرية والسياسية، فالكتاب يقدم المحافظين الجدد كحركة فكرية وسياسية ذات بصمة متميزة بدأت تتطور في أمريكا على مدى النصف الثاني من القرن العشرين تطورا بطيئا هادئا متشابكا مع مختلف التطورات التي مر بها المجتمع الأمريكي عبر تلك العقود
لذا يخرج بنا الكتاب عن حيز الكتب المشغولة بالكشف عن مؤامرة المحافظين الجدد والتي تحكي في غالبيتها قصة مجموعة (عصابة) صغيرة غامضة من المحافظين الجدد الأشرار الساعين لاختطاف سياسية الرئيس جورج دبليو بوش الخارجية من الداخل
ثالثا: في مقابل الرؤية السابقة يتحدث الكتاب عن تيار المحافظين الجدد كتيار يضم عشرات - وإن لم يكن مئات – المفكرين والمطبوعات والسياسيين المترابطين مع مختلف فئات وطبقات وأفكار المجتمع الأمريكي والذين تحولوا إلى أفكار المحافظين الجدد تحولا طبيعيا نتيجة لأفكارهم وللظروف التي مر بها المجتمع الأمريكي خلال القرن العشرين والتحدي الذي مثلته تلك الظروف لعقائدهم الفكرية
فالكتاب يشعرك بأن أفكار المحافظين الجدد منتشرة في أوساط أعداد كبيرة من الأمريكيين لارتباطها بأفكار وسياسات أمريكية مركزية يصعب على أي قارئ رفضها كلها
ومن ثم يجد القارئ نفسه - خلال قراءة هذا الكتاب – أمام سيل من الأفكار والشخصيات والأحداث والظروف المترابطة مع تيار المحافظين الجدد بشكل يجعل من قراءة الكتاب من الغلاف إلى الغلاف ضرورة لكي يتمكن القارئ من الوعي بالتفاصيل العديدة والهامة لقصة صعود المحافظين الجدد بالولايات المتحدة
صراع على اليهود الأمريكيين
نقطة انطلاق الكتاب هي نظرة المؤلف إلى تيار المحافظين الجدد على أنه صراع بين اليهود الليبراليين واليهود المحافظين على السيطرة على وجهة يهود أمريكا الأيدلوجية، لذا يبرز فريدمان في مقدمة كتابه حقيقة أن غالبية اليهود الأمريكيين ديمقراطيين ليبراليين، كما يبرز في المقابل حقيقة أن غالبية قيادات المحافظين الجدد هم من اليهود، ويتساءل حول مغزى ذلك على المستقبل الأيدلوجي لليهود الأمريكيين
وهنا يعبر فريدمان عن اعتقاده بأن التيار الليبرالي هو تيار دخيل نسبيا على اليهود الأمريكيين، فهو يرى أن غالبية اليهود الأمريكيين كانوا محافظين حتى عشرينات القرن الماضي، وأن أول رئيس ديمقراطي يحصل على غالبية أصوات يهود أمريكا كان ويدرو ويلسون في عام 1916، لذا يتهم فريدمان الباحثين الأمريكيين بإهمال دراسة تاريخ الحركات اليمينية بشكل عام وتاريخ المحافظين اليهود بشكل خاص، حيث يرى فريدمان عبر كتابه أن هذا الإهمال نابع من سيطرة النخب الليبرالية على مؤسسات الفكر والثقافة في أمريكا خلال العقود الأخيرة مما أضعف من قدرة هذه المؤسسات على تتبع تطور الفكر اليميني وحركته السياسية داخل المجتمع الأمريكي
ويقول فريدمان أن هجرة اليهود الأمريكيين إلى الليبرالية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين جاء نتاجا لتغيرات مجتمعية كبيرة مثل الكساد الكبير الذي أشعر المجتمع الأمريكي عامة والمهاجرين اليهود خاصة بفشل الرأسمالية والسوق الحر والحاجة لتدخل الدولة، وحاجة اليهود الأمريكيين للاندماج في المجتمع الأمريكي حتى ولو جاء ذلك على حساب هويتهم الدينية مما جعلهم ينادون بالعلمانية ويهملون هويتهم اليهودية، هذا إضافة إلى صعود المفكرين والمثقفين اليهود بعد الحرب العالمية الثانية التي أعطتهم فرصة أكبر للاندماج في المجتمع الأمريكي خاصة بعد هجرة عدد من أكبر مفكري وعلماء يهود ألمانيا وأوربا للولايات المتحدة، حتى أصبحت نيويورك - مركز تجمع اليهود بأمريكا - عاصمة أمريكا والعالم الثقافية
ويقول فريدمان أن نجاح اليهود الفكري والثقافي وعدم اندماجهم الكامل في المجتمع جعل منهم أقلية ثقافية متميزة خارج الأقلية البيضاء البروتستانتينية المسيطرة على مقاليد الثروة والحكم في أمريكا، وهو أمر زاد من اغتراب اليهود الأمريكيين عن الهوية اليهودية سعيا نحو الاندماج في المجتمع الأمريكي، مما جعلهم في النهاية من قادة التحول نحو الليبرالية العلمانية في الولايات المتحدة خاصة مع خشية اليهود من صعود اليمين في الولايات المتحدة بعد تجربتهم المريرة مع اليمين الأوربي
بداية التحول نحو اليمين
ولكن كيف أمكن لبعض اليهود – في مثل هذه الظروف – التحول نحو اليمين؟ يقول فريدمان في هذا الأمر أن البداية كانت في الثلاثينات من القرن العشرين مع صعود التيارات اليهودية المعادية للشيوعية، حيث يرى فريدمان أن مساعي اليهود نحو الاندماج بأمريكا دفعت بعضهم لرفض اغتراب المهاجرين اليهود عن أمريكا ومطالبتهم بمزيد من الاندماج وتقدير أمريكا وتقدير الحياة بها ورفض التقدير الذي تحمله بعض الفئات اليهودية للشيوعية وللاتحاد السوفيتي
فمجلة كومنتاري التي بدأت في الصدور عام 1945 عن اللجنة اليهودية الأمريكية سعت إلى ربط المثقفين اليهود ببعضهم البعض، وطالبت المهاجرين اليهود بالتركيز على مزايا أمريكا والتوقف عن النظر لأمريكا على أنها منفى، حتى أن كومنتاري – كما يرى فريدمان – لم تنتقد جوزيف مكارثي بشكل كافي
كما طالب مفكر مثل ليو ستراوس - والذي هاجر من ألمانيا هروبا من النازية وأستقر في أمريكا – إلى التركيز على التراث الغرب والمسيحي ورفض الجماعات الغربية المعادية للحضارة الغربية، كما دعا لبناء أمريكا كقوة عالمية كبرى تحارب الشر في العالم
ولكن موري فريدمان يرى أن إرهاصات الحركات المحافظة في أوساط اليهود الأمريكيين قبل خمسينات القرن العشرين لم تكن قوية بما يكفي، فقد كانت ضعيفة ومنعزلة عن التيارات الفكرية السائدة بالمجتمع الأمريكي بشكل عام وداخل اليهود الأمريكيين بشكل خاص
فترة التحولات الكبرى
في المقابل ساعدت الحركات الفكرية والسياسية الكبرى التي مر بها المجتمع الأمريكي خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين على تشكيل بيئة خصبة لنمو أفكار المحافظين الجدد وتبلور تيارهم الفكري والسياسي، ومن أهم هذه التحولات ما يلي
أولا: صعود اليسار الأمريكي الجديد ونقده اللاذع لأمريكا وللحياة الأمريكية وثورته على المؤسسات التقليدية بالمجتمع الأمريكي، وهو أمر رفضه المحافظون الجدد حيث رأوا أن رفض اليسار الجديد لأمريكا هو موقف مبالغ فيه كما أنه يقوض المؤسسات التقليدية بالمجتمع الأمريكي مما يضعف الروابط والضوابط الاجتماعية والثقافية داخله
وهنا يرى فريدمان أن معاداة المحافظين الجدد لثقافة اليسار الأمريكي الجديد ومواقفه الاجتماعية والأخلاقية كانت نقطة تلاقي واضحة وهامة بين المحافظين الجدد والجماعات اليمينية المحافظة، وإن كان هذا التقارب لم يحدث سريعا بل وقع بمعدلات بطيئة وعلى فترة زمنية طويلة نظرا للشكوك والمخاوف العديدة التي امتلكها كل طرف تجاه الأخر
ثانيا: مع أوائل الخمسينات زاد إيمان الجيل الأول من المحافظين الجدد بمشاكل الشيوعية والإتحاد السوفيتي كما برزت في وحشية ستالين في التعامل مع الأقليات الدينية بالإتحاد السوفيتي بما في ذلك اليهود السوفيت، وتصعيد الاتحاد السوفيتي لصراعه مع الغرب، مما دفع المحافظون الجدد للربط بين الشيوعية والنازية
وهنا يرى فريدمان أن تصاعد الحرب الباردة ساهم بشكل مباشر في نمو وتقوية تيار المحافظين الجدد، وذلك لأن العداء للشيوعية ورفض تقارب اليسار الأمريكي منها كان يعد بمثابة أحد ركائز فكر المحافظين الجدد، ومع استمرار الحرب الباردة زاد شعور المحافظين الجدد برفض الشيوعية والاتحاد السوفيتي وزاد شعورهم بالسلبية تجاه موقف النخب الليبرالية الأمريكية المتعاطفة مع الاتحاد السوفيتي والرافضة لتصعيد الحرب الباردة، وزادت رغبتهم في البحث عن حلفاء أمريكيين جدد أكثر رغبة في مواجهة الخطر الشيوعي
ثالثا: هزيمة اليمين الأمريكي التقليدي خلال سلسلة انتخابات فيدرالية عبر الخمسينات وأوائل الستينات وظهور جيل جديد من الناشطين المحافظين وعلى رأسهم ويليام بكلي مؤسس ومحرر مجلة ناشيونال ريفيو، وهو جيل رفض الجماعات اليمينية العنصرية وسعى لتطوير الخطاب الرأسمالي الأمريكي وتحديثه بشكل قرب بين المحافظين الجدد واليمين الأمريكي الجديد مع دخول السبعينات
رابعا: ظهور ونمو المحافظين الجدد أنفسهم بمفكريهم ومطبوعاتهم وكتبهم وعلى رأسهم إيرفينج كريستول والذي يوصف بأنه الرب الروحي للمحافظين الجدد وبول بودهوريتز محرر مجلة كومنتاري والسيناتور هنري مونيهان، وغيرهم
وهنا يرى المؤلف أن الصحافة الأمريكية والمؤرخين الأمريكيين لم يركزا بدرجة كافية على نمو التيار الأمريكي المحافظ داخل الجامعات والمؤسسات الفكرية الأمريكية، حيث يرى موري فريدمان أن بداية من منتصف الستينات بدأ اليمين الأمريكي المعدل والمحافظين الجدد في بناء شبكة واسعة من الجماعات الفكرية النشطة بالجامعات والمؤسسات البحثية الأمريكية
خامسا: امتلك المحافظون الجدد فلسفة اقتصادية واجتماعية متميزة ساعدتهم على التقرب من اليمين الأمريكي على المستويات الاقتصادية والحقوقية والابتعاد عن اليسار على نفس المستويات، إذ رفض المحافظون الجدد عداء اليمين التقليدي للدولة ولكنهم رفضوا في نفس الوقت تدخل الدولة في الاقتصاد وفي برامج محاربة الفقر ودعم الفقراء ومكافحة التمييز، إذ رأي المحافظون الجدد أن مثل هذه البرامج يجب أن تكون مسئولية المجتمع ومسئولية النظام الرأسمالي الذي أيده المحافظون الجدد مبدين تقديرهم لمهارة وإبداع رجال الأعمال
الديمقراطي تركهم وعثروا على ريجان
يقول موري فريدمان أن عوامل الشد والجذب السابقة استمرت على مدى الخمسينات والستينات، وخلال هذه الفترة نظر غالبية المحافظين الجدد لأنفسهم على أنهم ليبراليون وإن لم يكن ديمقراطيين، وخلال السبعينات بدأت علاقة الحزب الديمقراطي واليسار الأمريكي بالمحافظين الأمريكيين تزداد توترا حتى انقطعت صلة الطرفين خلال حكم جيمي كارتر والذي تبنى أجندة اليسار الجديد وعارض فكرة التصعيد ضد السوفيت ورفض مطالب المحافظين الجدد بتوظيف بعضهم في إدارته
لذا شعر المحافظون الجدد بأن الحزب الديمقراطي تركتهم، بل شعروا بأن اليسار الأمريكي الجديد يسير بالليبرالية الأمريكية في الطريق الخطأ، لذا عندما عثر المحافظون الجدد على ريجان والذي أمن بفكرة التصعيد ضد السوفيت ورفض نقد اليسار لأمريكا على المستوى الثقافي، لم يجد المحافظون الجدد صعوبة تذكر في مساندته والتصويت له والعمل في إدارته التي فتحت أبوابها أمامهم
وبهذا نكون قد وصلنا لمرحلة تبلور المحافظين الجدد كتيار فكري سياسي ترك بصمة على الجدل السياسي الأمريكي العام، وهي بصمة حرص موري فريدمان على شرحها وشرح جذورها ومعانيها وعلاقتها بالتطورات التي مر بها المجتمع الأمريكي خلال القرن الماضي لدرجة شغلت فريدمان عن الاهتمام بدرجة كافية بشرح نفوذ المحافظين الجدد داخل حكومة جورج دبليو بوش وعلى سياسة أمريكا الخارجية في الفترة الحالية