عبد الخالق محجوب من قريب ...بقلم شقيقه
ملفات / الأحد الايام عبد الخالق محجوب .. الرجل النادر بقلم: د. محمد محجوب عثمان في نهاية سبتمبر من العام الماضي، حلت الذكرى السابعة والسبعين لميلاده الذي كان في 23/9/1927. في مدارج الطفولة عاش عبد الخالق عالمه وشارك كثيرا من اقرانه لعبهم ولهوهم بتلك الديناميكية التي يعرفها الاطفال وصادف ان قامت عبر هذا روابط مع بعضهم امتدت لحقب من الزمان ففي حي العرب في تلك الفترة، حيث المقام لجدته لابيه امنة بت علي، كان عبد الخالق يرافق شقيقه الاكبر نهاية كل اسبوع الى هناك. وكان من جيران جدته في حي العرب العم صافي الدين والعم عبد العزيز والد الشاعر سيد عبد العزيز، لعب عبد الخالق (كرة الشراب) مع الجنيد صافي الدين، الذي اصبح فيما بعد لاعبا مشهورا في فريق المريخ في الخمسينيات، ولقد ظلا على علاقة متينة حتى بعد ان استويا رجلين. وقد يكون هذا سببا في ان عبد الخالق كان مريخي الهوى رغم عدم ارتياده ملاعب كرة القدم كمشجع. المفارقة ان والده محجوب عثمان كأن احد الاعضاء المؤسسين لنادي الهلال، ولم يبتعد عن النادي الا في الخمسينيات، ويقول البعض انه صاحب المقولة الشهيرة (الهلال عقيدة) التي اصبحت شعارا ملازما للفريق. في منتصف الستينيات وابان الحكم العسكري للفريق عبود تم اعتقال زعماء المعارضة وابعادهم الى جوبا حيث وضعوا تحت الحراسة في احدى ثكنات الجيش، ولقد قرأت في صحيفة (الزمان) في سني ما بعد انتفاضة مارس/ابريل1985 تحقيقا صحفيا مع السيد عبد الرحمن شاخور قطب مشجعي فريق المريخ المعروف قال ان الراديو الوحيد كان برفقة السيد اسماعيل الازهري زعيم الحزب الوطني الاتحادي. وقال شاخور ان عبد الخالق قد اخبره بأن مباراة ستقام في مساء ذلك اليوم بين فريقي المريخ والهلال، وقال انه كان يعجب لمعرفة الشيوعيين اخبار العاصمة وهم في قلب الجنوب وكأنهم يستخدمون (الجان) لجمع الاخبار !! ولقد استحوذ شاخور على الراديو محتضنا له طيلة النهار، ولقد جاءت المباراة لصالح المريخ فعلق شاخور قائلا ( والله عبد الخالق ده لولا السياسة لكان مريخيا (على السكين) ولخدم الفريق بكل طاقته التي يبذلها في السياسة!!). في حي السيد المكي حيث تسكن الاسرة تدق طبول طائفة الاسماعيلية كل خميس وتنشط حلقات الذكر، وتقام في حلقتهم حولية للعارف بالله اسماعيل الولي كل عام، وكانت تلك المناسبات تستأثر بقلب الطفل عبد الخالق وكان يؤمها، كذلك كانت احتفالية المولد النبوي الشريف بالنسبة له والتي تمتد لاحد عشر يوما بجامع الخليفة بام درمان حيث كانت تقام وقتئذ، على كل مناسبات تستدعي الحضور بين حشود الناس، وكانت تشحذ خياله، وهي في نهاية المطاف نشاط انساني جمعي، بهذا الشكل ام ذاك، ولنا ان نتساءل ان كانت هذه تمثل احدى الينابيع الاولى لمكونات شخصيته الاجتماعية في تلك الفترة الباكرة من حياته. سألني واحد مرة، ان كانت تسمية الرجل جاءت مجاراة لاسم عبد الخالق ثروت باشا، رئيس وزراء مصر عام 1922 بعد نفي سعد زغلول، وبعض اعضاء حزبه، حزب الوفد عام 1919، والمعلوم ان عبد الخالق ثروت باشا ينتمي الى عصبة الباشوات الاتراك الذين كانوا يحكمون مصر وعلى رأسهم الملك فؤاد، وكان جل اولئك الباشوات من ملاك الاراضي او الاقطاعيين الاغنياء الذين اذاقوا الشعب المصري العسف والعذاب. قلت ردا على هذا ان الصحيح ان الوالد قد سماه عبد الخالق تخليدا لوطنية وشجاعة مأمورا يسمى عبد الخالق حسن حسين عمل في ظل ادارة الحكم الثنائي للسودان، والذي في وفاته خرجت اول مظاهرة ضد الانجليز عام 1924م في مدينة ام درمان، وكان ذلك حدثا فيه كثير من الدلالات والترميز لنضال شعبي مصر والسودان المشترك ومثلت نهوضا للحركة الوطنية السودانية. واذا كان الوالد قد حيا المأمور المصري لوقفة الوفاء تلك فان عبد الخالق محجوب قد رد التحية بمثلها للمناضل عرفات محمد عبد الله، عندما انشأ مع رفقائه بعد ثورة اكتوبر الشعبية في السودان عام 1964 مجلة (الفجر الجديد) متأسيا بأسم مجلة الفجر التي كان يصدرها المناضل الوطني عرفات في العشرينيات ولقد غابت الفجر الجديد مع كثير مما غاب من ادوات العمل الوطني الديمقراطي بعد ان توالت قوى الرجعية على سدة الحكم في البلاد. ولعلي هنا استدعى احدى الحقائق وهي ان القائد الوطني عرفات محمد عبد الله، قد لجأ الى بيتنا متخفيا من ملاحقات قلم الاستخبارات اي جهاز الامن على العهد الاستعماري، ولا استطيع ان اؤكد هنا ان شيئا من هذا قد رسخ في عقل عبد الخالق فقد كان طفلا انذاك. ولكن ترداد اسم وسيرة عرفات في اسرتنا لم ينقطع حتى بعد ان شب عبد الخالق عن الطوق، فقد ربطت بين عرفات والوالد علاقة عمل حيث عمل كلاهما في مصلحة البريد والبرق، وعلاقة سياسية – على درجة ما – في جمعية اللواء الابيض، فهل يكون هذا قد خلق اثرا في تكوين عبد الخالق العقلي بهذا القدر او ذاك؟ يعود ميلاد عبد الخالق الى يوم 23 سبتمبر عام 1927، ولقد بدأ مسيرته التعليمية بخلوة الشيخ اسماعيل بجوار المنزل، ومن الخلوة انتقل الى مدرسة الهداية الاولية لمؤسسها المربي العالم الشيخ الطاهر الشبلي (والد امين الشبلي المحامي واخوانه) وكان سكان الحي يلحقون ابناءهم بهذه المدرسة مجاملة لشيخ الطاهر وتقديرا لمكانته في نفوسهم، وبعد ذلك التحق بمدرسة ام درمان الوسطى المعروفة بالاميرية. في هذا يحدثني شقيقنا علي محجوب الذي عاصره بفارق سنوات في المراحل التعليمية لصغر سنه عن عبد الخالق ليقول (عبد الخالق منذ نعومة اظفاره حباه الله بذكاء ملحوظ، وقد ظل يتفوق في جميع مراحل دراسته، وفي المرحلة الثانوية شهد له جميع اساتذته بالنبوغ، فمثلا عندما تدرج في المرحلة الثانوية كان له استاذ انجليزي يدعي مستر كرايتون متخصص في تدريس اللغة الانجليزية وادابها، هذا الاستاذ بشهادة زملاء عبد الخالق كان احيانا يعترف بأن لعبد الخالق قدرات غير عادية في استيعاب اللغة الانجليزية وادابها، ويستطيع وهو في تلك المرحلة ان يدرس هذه المادة ولمّا يتمم الثانوية روايات شكسبير واشعار شيلي واليوت وكيتس وغيرهم. وفي مادة التاريخ استاذهم كان يدعى مستر هولت وكان يشغل كما يقول الاخ علي موقعا اكاديميا متقدما بجامعة لندن، كان يشهد لعبد الخالق بالتفوق فقد احرز في امتحانات كمبردج شهادم لم تتكرر وهي جملة المواد التي جلس لامتحانها نهاية عام 1945، وهي عبارة عن اللغة الانجليزية، الادب الانجليزي، العربي، الرياضيات، الكيمياء، الطبيعة، الاحياء، الجغرافيا والتاريخ. حدثني علي ان عنوان سؤال المقالة التي طرحت على الممتحنين للغة الانجليزية في تلك السنة هي (الافق المتغير) وقد آثر عبد الخالق ان يعالج الموضع من زاوية وصف انتقاله من مرحلة الصبا الى فترة الشباب والتغيير الذي طرأ على سماء حياته من ناحية الفكر والنضوج العقلي، واثر هذا في تبلور تصوراته واحلامه واشواقه الى ما يتطلع ان يكون عليه شكل حياته المستقبلية. عالج الموضوع بتلك الطريقة، ولم يقترب منه من الناحية الشكلية التي قد تذهب في معالجة هذا الموضوع وتصويره، كأنه يوم قد تغير افقه من سماء صاف الى اخر ملبد بالغيوم وهطل الامطار وعزيف الرياح. بالطبع كتابة مقالة تظل موضوعه اشكالية في نهاية الامر، وككل اشكالية فكرية تظل تحتمل وجهات نظر ورؤى مختلفة اذ ليس للخيال قوالب جامدة، تحد من قدراته على خلق عالمه الخاص. ولعلي هنا استصحب ما ذكره د. محمد سعيد القدال في كتابه (ذكريات معتقل في سجون السودان) حيث يقول سألت عبد الخالق عن الاسلوب الذي اتبعه في تحمل الاعتقالات الانفرادية التي تعرض لها، والتي حرم فيها من الكتب وادوات الكتابة فقال انه يستلقي على ظهره ويأخذ في كتابة مقالة او قصة في ذهنه حيث لا تتوفر ادوات كتابة، ويراجع كل فقرة ويعيدها ثم ينتقل الى التي تليها حتى يفرغ من الموضوع، ويقضي ساعات في ذلك الجهد. اذكر تلك الليالي وبحضور المناضل الشيوعي البارز الجنيد علي عمر الذي كان يسكن معنا لفترة عندما اعود من السينما ويسألني عبد الخالق عن اسم الفيلم الذي شاهدته وحينما اجيب بالعربية الفرسان الثلاثة كان يصر ان اسميه بالانجليزية لاختبار قدراتي على استيعاب اللغة وانا في المرحلة الابتدائية واذكر انني اجبت مرة على واحد من تلك الاسئلة بطريقة خاطئة ومضحكة في آن، كان هذا بعد عودتي من مشاهدة فيلم لشارلي شابلن باسم (limo light) اذ اجبت عندما سئلت بشئ يرتبط بمادة الجير لورود كلمة (lime ) فيه، ولشدما ضحك الجنيد على هذ الجواب وقال ان الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم هي (اضواء المسرح) فاصابني الخجل والارتباك. وحتى في مرحلة الثانوية العليا، فقد ظهر اثر الفارق في المستويات التعليمية فقد حاولت قدر المستطاع ان استوعب ملحمتي الالياذة والاوديسا لهومي وهي من الكتب المقررة على طلاب الثانوية على ايام دراسة عبد الخالق، فلم اخرج من الغنيمة الا بالاياب. ولقد حدثني عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة صديق العمل والنضال لعبد الخالق وزميله في المراحل التعليمية حتى جامعة فؤاد الاول بالقاهرة في قسم الادب الانجليزي، انهم عندما جلسوا لامتحانات كمبردج على ايام نهايات الحرب العالمية الثانية كان المشرفون على وضع الاسئلة في انجلترا يتوخون تصعيبها عمدا لتضييق فرص النجاح لمجاميع الممتحنين لانهم يفضلون صرفهم الى الانشطة الحربية او للدفاع المدني لخدمة الاهداف العسكرية للحرب. لقد كان الوسيلة توأما لعقل وروح عبد الخالق ونابغا على امتداد مراحل تعليمه الاكاديمي، ولقد جلس لامتحان كمبردج في نفس عام 1945 واحرز شهادة باهرة ضمن المجموعة الممتازة. ويتملكني احساس بأن عبد الخالق لو لم يكرس حياته لخدمة الاشتراكية والحزب الشيوعي في السودان، لاتجه نحو الادب، لقد كان قارئا موسوعيا في الادب العربي والانجليزي قديمه وحديثه، وكان يهتم بتجويد اللغة العربية كتابة وخطابة ولعلي اذكر هنا ان المناضل الشيوعي التجاني الطيب بابكر يعد واحدا من البارزين من ذلك الرعيل الذي حمل على عاتقه المحافظة على نقاء اللغة العربية وطلاوتها في كتابة المقالة سواء ما كان يكتبه في صحيفة الميدان التي ترأس تحريرها او على مستوى الصحافة السودانية على وجه العموم. كان والد عبد الخالق ككل الاباء يرغب ان يلتحق ابنه بالخدمة العامة في جهاز الدولة وشجعه على هذا التفكير صديقه الشاعر احمد محمد صالح، الذي كان آنذاك مديرا بوزارة المعارف كأول سوداني يحتل هذا المركز في ظل الادارة البريطانية لعلمه الوفير وقدراته التي تؤهله لشغر ذلك المنصب (السيد احمد محمد صالح كان عضوا في مجلس السيادة الخماسي العضوية ابان عهد الوزارة الوطنية الاولى في العهد الديمقراطي الذي اطاح به الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبود في 17 نوفمبر عام 1958م. الوالد والعم احمد محمد صالح كانا يخططان للبحث عن امكانية لايفاد عبد الخالق في بعثة الى انجلترا للحصول على درجة علمية تلحقه كاستاذ في جامعة الخرطوم، كان هذا اثر عودته من القاهرة في فبراير عام 1949م حيث مكث لثلاث سنوات بجامعة فؤاد الاول قبل ابعاده سياسيا. لكن عبد الخالق كان يدخر لنفسه مستقبلا اخرا بعيدا كل البعد عن قيود الوظيفة الرسمية، لقد عمل في الحقيقة لمدة ستة اشهر بعد عودته من القاهرة في وكالة انباء صحفية تصدر صحيفة (Sudan Stars) كصحفي ثم انهى هذا العمل ليتفرغ تماما للعمل الحزبي سكرتيرا عاما له وهو في الثالثة والعشرين. لم يكن في ذلك وحده بل شاركته كوكبة من الذين كانوا في الجامعات المصرية وابعدوا منها لنشاطهم السياسي على ايام الحكم الملكي، تلك فئة اضاءت عالم السياسة في السودان وقدمت للفكر الاشتراكي والتنويري الديمقراطي بغير حساب، واقصد بهم هنا مجموعة الرجال الذين اسسوا (الحركة السودانية للتحرر الوطني) او (حستو) اختصارا والتي تحولت فيما بعد لاسم الحزب الشيوعي السوداني. فلنذكر هنا: الجنيد علي عمر، التجاني الطيب، عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، عزالدين علي عامر، ولنذكر ايضا القادة التاريخيين الاستثنائيين بين العمال الذين حملوا الامانة كتفا الى كتف في تأسيس الحزب: الشفيع احمد الشيخ، ابراهيم زكريا، قاسم امين، الجزولي سعيد، فنشأ الحزب منذ ولادته تلاحما بين طلائع العمال والمثقفين الثوريين. ويخطئ البعض حين يظن انني تلقيت توجيها عقائديا او اي ايحاءات اخرى في مسيرة حياتي للانتماء للحزب الشيوعي، فالواقع ان عبد الخالق طيلة حياته لم يخاطبني في هذا الشأن على الاطلاق لعلمه ان هذا لا بد ان ينبثق من قناعة ذاتية واختيار حر للانسان. ولعلي هنا اتطرق لجانب علي ارتباط بهذا ففي عام 1947، وبعد عودته من اجازة من مصر، قام عبد الخالق بالاشراف على الحاقي بمدرسة حي العرب الابتدائية التي ضمت اساتذة مثل ادم ابو سنينة الذي عمل في اول جمعية تدعو للسلام العالمي في السودان، وخرج مطاردا الى باريس على اثر ملاحقات الادارة البريطانية التي كانت تنوي تقديمه للمحاكمة لنشاطه الذي وصفته بالنشاط الهدام والمعادي للنظام، من بين الاساتذة ايضا، احمد محمد خير الذي عمل في الميدان مندوبا للحزب في مجلس السلام العالمي الذي كان مقره في فيينا. في تلك المرحلة كنت كثيرا ما اخرج وقبل التوجه الى حي العرب احمل اوراقا من عبد الخالق الى المناضل الراحل جعفر ابو جبل في مسكنه ببيت المال ورغم عدم اطلاعي على ما في الاوراق، فقد كنت على علم بأنها اوراق حزبية، على قدر كبير من الاهمية، وكان الزهو يعتريني بأنني اقوم بمهام خطيرة تكلل بالنجاح، بأنني انتصر على الاجهزة البوليسية كلما توجهت بتلك الاوراق مع اشراق الشمس. غير ان الاثر الباقي على مر الايام هي الرابطة الثقافية التي نشأت بيني وبين الاخ عبد الخالق، ويبدو غريبا القول ان تلك الرابطة قد شهدت ازهى واخصب فتراتها عندما كنا سجينين، لان رسائله والكتب التي كان يشير الى الاسرة بارسالها الى من مكتبته الخاصة الى سجن الروصيرص كانت حبل تواصل لم ينقطع، عندما كنت اقضي عقوبة السجن مدى الحياة بعد محكمة عسكرية اعقبت حركة الشهيد البكباشي علي حامد في 9 نوفمبر 1959، كان عبد الخالق وقتئذ معتقلا بالسجن المركزي بالخرطوم بحري وهو واحد من جملة من الاعتقالات التي تعرض لها ابان حكم الدكتاتورية العسكرية الاولى التي جرت في نوفمبر 1958، فالرجل قد اعتقل قبلها وبعدها لعدة مرات ودخل نزيلا على سجون جوبا، وزالنجي والسجن المركزي وعلى مدى فترة سجني التي امتدت لخمس سنوات قبل ان تحررنا ثورة اكتوبر الشعبية عام 1964م، كان يرسل لي بامهات الكتب فقرأت على يديه ما لا يسعفني الذاكرة لحصره اذكر بعضه على سبيل المثال: البيان والتبيين، الحيوان والبخلاء للجاحظ، شرح بن عقيل (النحو وقواعد اللغة العربية)، مقدمة بن خلدون، تشيكوف، مكسيم جوركي، ايليا اهرنبيرج، دوستوفسكي من الكتاب الروس، دوريس ليسنغ (كاتبة روديسية المولد) كوليت فرنسية سومرست موم من بينهم كتابه Ashenden وهي قصة فيها جانب من حياته حينما عمل كعميل للاستخبارات الانجليزية في تركيا اثناء الحرب العالمية الثانية، هوارد فاست، شتانبيك، كتاب امريكان، وولت ويتمان شاعر امريكي، جيمس فريز، الاناء الذهبي. ومن الناحية الاجتماعية فقد كان لعبد الخالق وشائج طيبة مع كثير من الشخصيات ذات الوزن الاجتماعي مثلا/ المرحوم احمد داؤود، الذي كانت له صيدلية قرب نادي الخريجين بام درمان، وكان شديد التأثر بفقد عبد الخالق، وايضا من اصدقائه عبد الله محمد فرح رحمة الله عليه، الذي كان يحتفظ باطيب المشاعر نحو عبد الخالق، والاخ عبد الله عبد الوهاب دفعته في الثانوي، والمهندس احمد عمر خلف الله الذي اغترب في الامارات والدكتور احمد حسن ادم وهو من الدفعة ايضا (الدكتور احمد هو شقيق للنقابي المعروف السر حسن ادم من مناضلي عطبرة) وفي هذا الصدد لا بد وان نشير الى الصداقة الحميمة بين عبد الخالق والاستاذ عبد الكريم ميرغني، ومحمد بابكر بدري، ومحجوب عثمان الصحفي المرموق، وكذلك محمد احمد داؤود الذي عمل كواحد من مدراء مصلحة التعاون وكان ايضا من دفعة عبد الخالق وتزاملا في النضال في مصر، وبنفس القدر الدكتور عبد الغفار عبد الرحيم وهو من جيران عبد الخالق في الحي وزميله في الدراسة، ومن الاصدقاء والجيران ايضا المغفور له مولانا ميرغني مبروك الذي تبوأ منصب رئيس القضاة ابان فترة الانتفاضة والمحامي محي الدين عووضة ومن ابناء دفعته واصدقائه الكثيرين اذكر منهم: فاروق ميرغني شكاك، البروفيسور علي محمد خير، احمد اسماعيل النضيف، المرحوم د. ابراهيم الشبلي، والقائمة طويلة لا يتسع لها المجال. ويحكي علي محجوب شقيق عبد الخالق ان الاستاذ المرموق ابراهيم نور كان واحدا من اصدقاء عبد الخالق القريبين الى قلبه، حكى في جلسة بمنزل الاستاذ عبد الكريم ميرغني – طيب الله ثراه – قال لنا الاستاذ نور انه في احدى زياراته لانجلترا التقى بمستر كرايتون التي وردت الاشارة اليه سابقا فسأله كرايتون عن عبد الخالق (حدث ذلك بعد يوليو عام 1971) فاخبره ما اقدم عليه السفاح وزمرته في جريمتهم الشنعاء باغتيال عبد الخالق فصعق كرايتون من هول الجريمة وقال للاستاذ نور بالحرف (اما كان الاجدر الابقاء على حياة رجل في قامة عبد الخالق وعقله النير، ليستفاد من قدراته وفكره الثاقب في دفع عجلة التطور بالبلد) وانصرف كرايتون بعد لقائه بالاستاذ نور وهو في حالة حزن واسى شديدين. وفي نفس الاطار يقول علي (كنت عندما اقابل اساتذة عبد الخالق القدامى من السودانيين صدفة، فانهم يعبرون عن مشاعر الحزن لفقد عبد الخالق بل ان بعضهم تدمع اعينهم ويقولون ان عبد الخالق ليس فقد اسرته بمثل ما هو فقد للامة السودانية جمعاء وذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، عمنا وصديق والدنا الاستاذ المرحوم احمد محمد صالح، الاستاذ بشير العبادي، الاستاذ خالد موسى، الاستاذ امين زيدان استاذ الرياضيات المعروف، الاستاذ الطيب شبيكة الذي درس عبد الخالق في المرحلة المتوسطة، ونفس الشئ بالنسبة للاستاذ الصائم محمد ابراهيم عليهم رحمة الله وغفرانه جميعا. ويواصل الاخ علي في ابريل عام 1970م، قمت بزيارة الاخ عبد الخالق في مصر عندما كان مبعدا بالقاهرة وقد قضيت معه حوالي عشرين يوما وفي تلك الزيارة قابلت معه في مقر اقامته الاخ المرحوم امين الشبلي المحامي وصلته بعبد الخالق صلة حميمة وعريقة، وكان من بين الجالسين الكاتب المصري المعروف عبد الرحمن الشرقاوي، وكان الكاتب احمد حمروش ملازما للاخ عبد الخالق باستمرار وكنت الاحظ اقبال العديد من الاخوة المصريين من زملاء نضاله بمصر على زيارته بمقر اقامته ومنهم المرحوم زكي مراد والاستاذ محمود امين العالم. ومن المفارقات ان مياه كثيرة قد مرت تحت الجسر بعد تفجر ثورة 23 يوليو في مصر، فعبد الخالق الذي ابعد من مصر لنشاطه السياسي في عام 49، نشأت بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر علاقة سياسية وشخصية حميمة، لعب دورا كبيرا في هذه الصلة المناضل المصري احمد فؤاد، وكان عضوا في منظمة (حدتو) الشيوعية وكان يعمل قاضيا، وهو الذي اسس صلة لعبد الناصر بتلك المنظمة قبل الثورة اذ ساعدت منظمة (الضباط الاحرار) في طبع بياناتهم وتوزيعها، وكان عبد الناصر واسمه الحركي (موريس) يأتي بسيارته ليتسلم تلك المطبوعات من احد اعضاء تنظيم حدتو بطريقة سرية (انظر مؤلفات احمد حمروش – ثورة 23 يوليو في مصر). كان الرئيس عبد الناصر يدعو عبد الخالق لمقابلته في كل مرة يحل فيها على مصر ويتباحث معه في الشؤون السياسية، وخاصة تلك المباحثات المكثفة التي جرت فيما يتعلق بصلة مصر بالاتحاد السوفيتي في جانب الدعم السياسي والعسكري بعد انتكاسة حرب يونيو عام 1967م. لقد كانت تجربة التفرغ للعمل الحزبي الشيوعي شديد الوطأة على اسر الطلائع من اولئك الشباب الذين اختاروا ذلك الطريق، فالفكرة في حد ذاتها جديدة، في وقت كانت فيه المفاهيم السياسية تشق طريقها داخل المجتمع بصعوبة، ذلك المجتمع الذي تتفشى فيه الامية والعادات الناجمة عن التخلف والخرافة، مما ساعد الادارة البريطانية على نشر صورة قاتمة بين الناس عن فكرة الشيوعية باستثارة المشاعر الدينية، والانتقاص من الصورة الاجتماعية لحامليها حتى في الاطار الاخلاقي. سئل الجنرال عبود الذي حكم السودان عسكريا 1958 -1964م، لماذا يعادي الشيوعية فكان رده لانهم يعملون في الظلام وانا لا احب العمل في الظلام، ولعل هذه صورة اخرى للذهنية التي ترى في الشيوعيين اشباحا تتحرك في الظلام كما تحكي الخرافات القديمة. في تاريخ اقرب نتذكر السؤال الذي وجهه الطاغية الاجوف في المحكمة الصورية التي جرت في يوليو عام 1971م ماذا قدمت لشعب السودان؟ فأجاب عبد الخالق: الوعي، الوعي بقدر ما استطعت. في استشهاد عبد الخالق محجوب يقول الشاعر محمد الفيتوري: لا تحفروا لي قبرا سأرقد في كل شبر على الارض ارقد كالماء في جسد النيل ارقد كالشمس فوق حقول بلادي فمثلي لا يسكن قبرا 23/9/2004م
<< Home