news & views

Thursday, August 18, 2005

مصر والسودان أهملا مطالب دول حوض النيل


علي التوم وزير الزراعة السوداني الأسبق
مصر والسودان أهملا مطالب دول حوض النيل
بقلم : رجاء العباسي

قفزت قضية مياه النيل الى مقدمة الأحداث في الأيام الأخيرة، وكان هذا متوقعا من جانب عدد من المتابعين والذين ظلوا يحذرون ومنذ مدة طويلة ـ قولا وكتابة ـ من إمكانية اثارة هذه القضية خاصة من دول منابع النهر.
وخلال الأعوام السبعة الأخيرة صدر ما لا يقل عن عشرة مؤلفات عربية في موضوع مياه النيل سواء كانت مصرية أو سودانية.
بلغت المشكلة ذروتها بتكتل دول المنبع في أعالي النيل الأبيض والأزرق خلال العامين الأخيرين. مطالبة بنصيب أكبر في مياه النيل، ومبدية عدم موافقتها على اتفاقية 1929 بين الحكومة البريطانية وحكومات أثيوبيا والمستعمرات البريطانية في شرق افريقيا، بوصفها اتفاقية بين دول استعمارية وادارات استعمارية في تلك الدول.
أيضا أبدت دول منابع النيل اعتراضها على اتفاقية مياه النيل لعام 1959م المبرمة بين مصر والسودان، بحجة ان أغلب تلك الدول كانت لا تزال مستعمرة، وأن مواطنيها وحكوماتها الوطنية لم تكن طرفا فيها.
كل ذلك علما بأن اتفاقية عام 1959 بين مصر السودان، والتي تعتبر تلك البلدان بأن ماحصلوا عليه منها أصبحت حقوقا مكتسبة بالقانون والواقع، تحوطت في بند من بنودها للحقوق المستقبلية لدول وشعوب منابع النيل. باعتبار أن تلك الحقوق ستوفى من عائدات المشروعات المستقبلية لتنمية وتطوير منابع النيل.
الضجة الحالية وصلت بدول المنبع لحد وضع القضية في مقدمة أجندة اجتماعات الاتحاد الافريقي في ليبيا الشهر الماضي، واستمرار الاصرار على تصعيد القضية في اجتماع دول حوض النيل في العاصمة الأوغندية كمبالا الشهر الماضي.
«الملف السياسي» اجرى مقابلة مع علي التوم الخبير الدولي السوداني في التنمية والاستثمار، ووزير الزراعة الأسبق، والذي له عدة بحوث وكتب حول هذا الموضوع.
وفيما يلي نص الحوار:
ـ لماذا برزت الحاجة لاعادة تقسيم أنصبة مياه النيل الآن.. وهل اتفاقية 1959 بين مصر والسودان تحتاج الى تعديل..؟
ـ في رأيى أن مصر والسودان أصبح لديهما حق مكتسب قانوني وواقعي باتفاقية 59، لأنهما عمليا هما طرفا الاتفاقية، ولم يكن هناك أي اعتراض يذكر من دول المنبع ذلك الزمن، بسبب انه لا حاجة للمياه.
ورغم تعالي بعض الأصوات من بعض دول المنبع في ذلك الوقت مثل كينيا واثيوبيا، لكن لم يكن بالحاح أو حماس شديد.
فاتفاقية 59 وضعت في الاعتبار الحقوق المستقبلية لدول المنبع ليس فيما يتعلق بأنصبة مصر أو السودان، ولكن من العائد الاضافي للمشروعات المستقبلية في أعالي النيل. وكان واضحا وقتها ـ ومازال ـ أن أي عائدات اضافية ستكون في النيل الأبيض وأعاليه وليس النيل الأزرق والذي يسهم بحوالي 85% من المياه الجارية في حوض النيل في السودان ومصر.
المشكلة انه وبعد اتفاقية 59، وبعد حدوث عدة تغييرات لم تكن في الحسبان وقت الاتفاقية مثل الجفاف والتصحر في دول المنبع خاصة مثل كينيا ـ تنزانيا ـ اثيوبيا واريتريا.
لم تتحرك مصر والسودان بالسرعة المطلوبة لحسم الأمر بطريقة استراتيجية. وتركاه للتكتيكات والتسويف وكسب الوقت، وتركا للصحافة ـ خاصة في مصر ـ الفرصة للتكهنات والتهديدات التي وصلت لدرجة التهديد بالحرب في بعض الآراء. وهذا كله خطأ فاضح. وكانت الاشارة دوما الى أن اسرائيل هي وراء كل هذه التحركات.
والسؤال الذي نطرحه دائما: لماذا استطاعت اسرائيل ان تحرش هذه الدول ضد مصر والسودان وفي الوقت الذي فشلنا نحن فيه في كسب هذه الدول..؟
السبب الرئيسي في فشلنا في كسب هذه الدول هو اننا لم نحسم القضية وقت حدوث الأزمة في تلك الدول من جفاف وتصحر، وظهور حاجتهم الماسة للمياه، والتي هي جزء متواضع للغاية بالنسبة لنصيب مصر والسودان الحالي.
ولدول المنبع كل الحق في اثارة هذه الضجة، ولا يمكن القاء اللوم على أي دولة منها تحاول الاستفادة من أي دعم اسرائيلي أو غير اسرائيلي.
وأنا شاهد عيان بأن بعض هذه الدول خاصة كينيا وتنزانيا واثيوبيا - على وجه الخصوص - والى حد بسيط اريتريا، بالفعل في حاجة للاستفادة من جزء من مياه النيل. وطالبت من قبل في ندوة متخصصة، كل من مصر والسودان باقتطاع جزء من نصيبهما الحالي لمقابلة الاحتياجات الملحة في تلك الدول.
ولكن الأهم من هذا هو الجلوس مع كل دول المنبع بأسرع فرصة في جو ودي وأخوي وجو اعتراف بحقوقهم المشروعة في مياه النيل، لرسم خطة استراتيجية للاستفادة من الفرص الهائلة لتطوير اقامة مشروعات توفر عائدا أكبر في حوض النيل تستفيد منه هذه الدول وكذلك مصر والسودان.
وآن الآوان ان تعرف دول المنبع نصيبها بوضوح من المشروعات الجديدة. هذا سيعطيها الحافز بأن تقف معنا صفا واحدا في سبيل الحصول على التمويل اللازم لهذه المشروعات.
بالطبع كلنا يعرف أن نصيب السودان هو 5. 18 مليار متر مكعب، ومصر 5,55 مليار متر مكعب، وهذا بحسابها من وصول المياه لبحيرة السد العالي واضعين في الاعتبار عوامل التبخر، التسرب.. الخ.
وهذا أحد الأسباب التي تجعل بعض السودانيين يرون ان السودان تم ظلمه في الاتفاقية، والذي وقع أكثر على اخواننا في وادي حلفا حيث ان التعويضات التي تمت كانت أقل بكثير من الخسائر التي تمت في مشروعاتهم وممتلكاتهم وفي وطنهم نفسه.
ـ العلاقة ما بين دول المنبع ودول المصب.. هل ترتبط بدرجة حرارة العلاقة السياسية.. وكيف تصفها.. عكسية أم طردية معها..؟
ـ بالمناسبة السودان دولة منبع ومصب في آن واحد، حيث يسهم في زيادة العائد في حوض النيل سواء في النيل الأبيض أو الأزرق.. بالخيران الموسمية التي تصب في النيلين، وان كانت محدودة إنما مهمة.
العلاقات السياسية بين مصر والسودان، وبين دول المنبع تكاد تكون لا تذكر.. ولكن العلاقات أقوى بين هذه الدول والسودان أكثر من مصر.. ربما بحكم الجوار المباشر.
وهذا يجعل موقف السودان حساسا للغاية إذا ما أخذنا قضية التدخل الاثني مع جنوب وغرب وشرق السودان. فبالاضافة لعلاقات التزاوج والثقافة العربية والاسلامية بيننا ومصر، فالدول التي تلي ذلك في رسوخ هذه العلاقات هي اثيوبيا واريتريا. والعلاقات أخذت شكلاً طرديا ـ للأسف ـ ببروز أزمة المياه.. ومثلما يقولون انها ـ
The reason to make or Break ـ العلاقة بين دول المنبع والمصب للنيل، والأمر في أيدينا نحن أكثر منهم. ولن نلومهم أبدا ـ إذا ما واصلنا التسويف ـ في حسم الأزمة بطريقة استراتيجية وبرؤية مستقبلية واضحة وتحديد الأنصبة والحقوق والواجبات.. لا نلومهم في اتخاذ خطوات احادية.
وبهذه المناسبة ينبغي ان نحذر من بعض الاتجاهات لبعض الاخوة في مصر، والذين يسعون لعمل علاقات ثنائية مع بعض دول المنبع مثل اثيوبيا.. هذا تكتيك خاطئ، مهما حسنت النوايا. لابد من حسم مستقبل قضية مياه النيل كحزمة واحدة مع كل دول المنبع مجتمعة بعيدا عن الدبلوماسية والتهدئة والتسكين و«الفهلوة» والعلاقات الشخصية.
ودائما ما يردد هنا في مصر قول: انه على مستوى الفنيين لا يوجد أي خلاف.. في رأيي انه لا فرق بين فنيي هذه الدول وسياسي.
ـ ما هي التطورات التي حدثت في حوض النيل منذ عام 1959 وحتى العام 2004م؟
ـ للأسف الأحداث التي تمت كان معظمها سلبي. تمكنت مصر من الاستفادة من كل حصتها، وبذلت مجهودا كبيرا في ترشيد الري، ومياه الصرف الصحي، والتقليل من المياه التي تصب في البحر الأبيض المتوسط. كما نجحت في عمليات الري التكميلي بالمياه الجوفية، كما توجت ايجابياتها بالوصول الى السقف الانتاجي لأغلب المحاصيل.
إنما لا يزال هناك عيب هيكلي بالنسبة لمصر، يتمثل في الأنماط الانتاجية المحصولية ـ هناك 40% من حصتها من مياه النيل تنتج به فقط محصولين زراعيين وهما: قصب السكر في مصر الوسطى والعليا، والأرز في الدلتا.
ودائما مانقول للأخوة المصريين، انه اذا ماكان هناك تكامل حقيقي باستراتيجية طويلة فإن هذه محاصيل يمكن زراعتها والتوسع فيها بأمطار السودان الأوسط والجنوبي.
حيث تتمكن مصر من زراعة محاصيل أخرى تصديرية أو غير تصديرية. هناك أيضا 40% من الاراضي المصرية تزرع اعلاف لتربية الحيوان، وحتى عام 1965، لم تكن مصر تستورد أي لحوم أو حيوانات حية الا من السودان.. فهل رأيت كيف ان السياسة يمكن أن تعوق أي شئ..؟
اضطرت مصر للتوسع لمجابهة المشكلة الثانية وهي الزيادة السكانية. فقد فشلت في وقف زيادة معدلات السكان. واذا استمرت الزيادة بهذا المعدل، حينها لا يكفي نصيب مصر ولا حتى السودان معه في مواجهة ذلك.
لجأت مصر للوادي الجديد، لامتصاص الزيادة السكانية من الوادي القديم للوادي الجديد. واقامت مشاريع مثل توشكى، وترعة الشيخ زايد، وغيرها.. وكانت الخطة هي استخدام مياه غالية للغاية قيمتها البديلة لمحاصيل أخرى أكثر.
و مشروع الأمير الوليد بن طلال ـ كمثال ـ يتسم بأن نمط الكثافة الرأسمالية والتكنولوجية المستخدمة فيه يقللان الفرصة للأيدي البشرية، وهذا لن يحقق أهم أهداف اقامة تلك المشروعات، وهو تخفيف الضغط السكاني في الوادي القديم.
وإذا استخدمت مصر حصتها وحصة السودان كلها من مياه النيل لن تحل مشاكل الأمن الغذائي فيها، تلك المشاكل التي وضعت منذ عام 1984 بالنقص الهيكلي المزمن والمتزايد.
ولحسن الحظ وبعد كثير من المزاودة والمزايدات، أصبح كثير من الاخوة المصريين في مراكز المسئولية والقرار يدركون بأن أي توسع في الإنتاج الزراعي في السودان سواء في المناطق المروية أو المطرية من شأنه أن يعزز فرص تحقيق الأمن الغذائي في البلدين وهو أملنا الاستراتيجي بإذن الله.
أما السودان، فإنه لا يستفيد من نصيبه الكامل. هناك مابين 6 ـ 7 مليارات تصل الى مصر. مشروع الجزيرة يعمل بنصف مساحته المحصولية، بنسبة نقص تصل الى 24%، ومشروع الرهد يعمل بنسبة نقص 66%، و63% في مشروع حلفا، وجاء هذا في ورقة اعدها الصادق المهدي الشهر الماضي،
وشارك بها في ندوة عن الافاق المستقبلية لمياه النيل كمكون اساسي للتنمية الاقتصادية في السودان. أما عن مشاريع النيل الأبيض والأزرق والتي تروي بالطلمبات 450 ألف فدان، هي الآن في حالة يرثى لها وبحاجة لاعادة تأهيل.. من هذه المساحة تستخدم فقط 150 ألف فدان في الزراعة!!
المساحة الصالحة للري في السودان حوالي 15 مليون فدان وهي أراضي طينية حول النيل الأبيض والنيل الأزرق ونهر النيل، أقصى ماتم زراعته حتى الآن 4 ملايين فقط. حتى هذه الـ 4 ملايين في المشاريع القائمة حوالي 50% منها معطل ولا يستفيد من المياه. هناك مليونان فقط هي المستخدمة.
إذا استمر الجفاف والتصحر في السودان سيحتاج لمياه النيل أكثر لتعويض مياه الأمطار التي انتهت بالزحف الصحراوي.
أما أوغندا وبوروندي فلا تواجهان الجفاف والتصحر، وقد ذكر لي دبلوماسي أوغندي ان لديهم فائضا في المياه، ولكن لابد من الاحتفاظ لهم بحقوقهم الزراعية وفي توليد الكهرباء في مياه النيل في أي اتفاقية مستقبلية في دول المنبع.
ـ هل يمكن أن نقول ان حرص مصر على وحدة السودان هي حرص فقط على مياه النيل..؟
ـ مصر وبالرغم من تركيزها على الجانب السياسي فيما يتعلق بوحدة السودان، الا اننا نجد بعض المعلن من الساسة والمكتوب في الصحف يبعث على الاعتقاد بأن الهم الأساسي هو مياه النيل.
وانه اذا ماحدث انفصال في السودان فلن يكون لديها الحق في مياه جونقلي وغيره، والفرصة ستكون مواتية لدولة مثل اسرائيل أو أميركا في أن تتحكم في مياه النيل ككارت ضغط على مصر للحصول على اشياء اخرى.
حتى محاولة مصر في التعامل مع جنوب السودان فيما يختص بمشروع الاتفاق الجاري، فأنه يأخذ الشكل السياسي والدبلوماسي في مصر اكثر منه الشكل الواقعي مثل محاولات الجامعة العربية والاستثمارات وتحفيز القطاع الخاص المصري للاستثمار في الجنوب.. الخ. كل هذا لن يحل المشكلة.
فإن الحل هو الضغط على الشمال ـ فليس من مصلحة مصر أو وحدة السودان اقامة نظام اسلامي في الشمال، واذا كان هذا حدث من قبل لما ذهب قرنق وحركته الى مشاكوس فالنظام الاسلامي في شمال السودان سيؤدي حتما لانفصال الجنوب.
ـ هناك إشارات لرغبة ليبية في الاستعانة بمياه النيل بعد فشل مشروع النهر العظيم.. أين تقع مثل هذه الرغبات وسط الأزمة المثارة حاليا..؟
ـ بصرف النظر عن مواقف دول المنبع الآن، ومطالبهم، من ناحية موضوعية وواقعية مبنية على احتياجاتنا سواء كان لدول المنبع أو المصب، تحت أي ظرف من الظروف، يجب الا نسمح بقطرة مياه واحدة من حوض النيل بالخروج منه. سواء كان لليبيا أو لغير ليبيا. موقف ليبيا متناقض ـ ففي الوقت الذي تدعى الوقوف بجانب دول وشعوب افريقيا، وهي تعرف جيدا أزمة دول المنبع، تطلب من مصر اعطاءها 3 مليارات متر مكعب،
وعندما شرحت مصر موقفها الرافض، تحاول الآن مع السودان ليسلمها عند بحيرة السد العالي مقدار 3 مليارات متر مكعب. اضافة الى هذا، كما نعرف دوما تجربتنا مع النظام الليبي، والتي هي سلبية باستمرار. ولن ننسى «مال الكرامة». السودان بحاجة لمياه النيل، وتجد مطالبة ليبيا لمياه النيل استغرابا من العالم،
وهو يعلم ان هناك أكثر من 45 مليار دولار تم انفاقها على النهر العظيم والذي يقوم اساسا على خزان جوفي من الحوض الرملي النوبي من غرب السودان وتشاد وجزء منه من مصر. وليس من الخزان الجوفي النيلي المصري كما ذكر في بعض الصحف.
لو كان بالامكان توصيل مياه النيل خارج نطاق حوضه، لكنا نفضل توصيلها بعد الموافقة الاجماعية لدول المنبع والمصب بالطبع، لدول المشرق العربي التي تعاني من عجز حاد حتى في مياه الشرب.